فِي وَشَكِ الزَّوَالِ، وَاقْنَعُوا فِيهَا بِمَا يُعِينُكُمْ عَلَى حُسْنِ الْمَآلِ، فَإِنَّهُ لِحَلَالِهَا حِسَابٌ وَلِحَرَامِهَا عَذَابٌ ( «وَاتَّقَوُا النِّسَاءَ» ) أَيْ: احْذَرُوهُنَّ بِأَنْ تَمِيلُوا إِلَى الْمَنْهِيَّاتِ بِسَبَبِهِنَّ، وَتَقَعُوا فِي فِتْنَةِ الدَّمِ لِأَجْلِ الِافْتِتَانِ بِهِنَّ ( «فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ» ) أَيْ: فِي شَأْنِهِنَّ وَأَمْرِهِنَّ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " احْذَرُوا أَنْ تَمِيلُوا إِلَى النِّسَاءِ بِالْحَرَامِ وَتَقْبَلُوا أَقْوَالَهُنَّ، فَإِنَّهُنَّ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ لَا خَيْرَ فِي كَلَامِهِنَّ غَالِبًا اه.
وَهُوَ تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا أَضَرُّ مَا فِي الدُّنْيَا مِنَ الْبَلَايَا، وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ مُعَاذٍ: اتَّقَوُا الدُّنْيَا وَاتَّقَوُا النِّسَاءَ، فَإِنَّ إِبْلِيسَ طَلَّاعٌ رَصَّادٌ وَمَا هُوَ بِشَيْءٍ مِنْ فُخُوْخِهِ بِأَوْثَقَ لِصَيْدِهِ فِي الِانْقِيَادِ مِنَ النِّسَاءِ، رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ طَلَبَ مِنْهُ ابْنُ أَخِيهِ أَوِ ابْنُ عَمِّهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ فَأَبَى فَقَتَلَهُ لِيَنْكِحَهَا أَوْ لِيَنْكِحَ زَوْجَتَهُ، وَهُوَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ قِصَّةُ الْبَقَرَةِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ تَبَعًا لِلطِّيبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمَشْهُورُ فِي قِصَّةِ الْبَقَرَةِ مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ فِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ غَنِيٌّ، وَلَهُ ابْنُ عَمٍّ فَقِيرٌ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ مَوْتُهُ قَتَلَهُ لِيَرِثَهُ اه.
وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى، لَكِنَّ حَمْلَ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ يَحْتَاجُ إِلَى صِحَّةِ نَقْلٍ وَثُبُوتِ رِوَايَةٍ، نَقَلَ الْبَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا} [الأعراف: ١٧٥] الْآيَاتِ. أَنَّ قِصَّتَهُ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا قَصَدَ حَرْبَ الْجَبَّارِينَ، وَنَزَلَ أَرْضَ بَنِي كَنْعَانَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ أَتَى قَوْمُ بِلْعَامَ إِلَى بَلْعَامَ، وَكَانَ عِنْدَهُ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمِ فَقَالُوا: إِنَّ مُوسَى رَجُلٌ حَدِيدٌ وَمَعَهُ جُنُودٌ كَثِيرَةٌ، وَأَنَّهُ قَدْ جَاءَ يُخْرِجُنَا وَيَقْتُلُنَا وَيَحِلُّهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنْتَ رَجُلٌ مُجَابُ الدَّعْوَةِ فَاخْرُجْ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّهُمْ عَنَّا. فَقَالَ لَهُمْ: وَيْلَكُمْ مِنَ اللَّهِ، مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ كَيْفَ أَدْعُو عَلَيْهِمْ، وَأَنَا أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا أَعْلَمُ، وَإِنِّي إِنْ فَعَلْتُ ذَلِكَ ذَهَبَتْ دُنْيَايَ وَآخِرَتِي، فَرَاجَعُوهُ وَأَلَحُّوا عَلَيْهِ فَقَالَ: حَتَّى أَوَامِرَ رَبِّي، وَكَانَ لَا يَدْعُو حَتَّى يَنْظُرَ مَا يُؤْمَرُ بِهِ فِي الْمَنَامِ، فَوَامَرَ فِي الدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ فَقِيلَ لَهُ فِي الْمَنَامِ: لَا تَدْعُ عَلَيْهِ. فَقَالَ لِقَوْمِهِ: إِنِّي قَدْ وَامَرْتُ رَبِّي وَإِنِّي قَدْ نُهِيتُ، فَأَهْدَوْا لَهُ هَدِيَّةً فَقَبِلَهَا، ثُمَّ رَاجَعُوهُ فَقَالَ لِقَوْمِهِ حَتَّى أَوَامِرَ فَوَامَرَ فَلَمْ يَجِيءْ إِلَيْهِ شَيْءٌ، فَقَالَ وَامَرْتُ وَلِمَ يَجِيءْ إِلَيَّ شَيْءٌ فَقَالُوا: لَوْ كَرِهَ رَبُّكَ أَنْ تَدْعُوَ عَلَيْهِمْ لَنَهَاكَ كَمَا نَهَاكَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَلَمْ يَزَالُوا يَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ حَتَّى فَتَنُوهُ فَافْتَتَنَ، فَرَكِبَ أَتَانًا لَهُ مُتَوَجِّهًا إِلَى جَبَلٍ يُطْلِعَهُ عَلَى عَسْكَرِ إِسْرَائِيلَ يُقَالَ لَهُ (حُسْبَانُ) فَلَمَّا سَارَ عَلَيْهَا غَيْرُ كَثِيرٍ رَبَضَتْ بِهِ أَيْ: جَلَسَتْ، فَوَلَّ عَنْهَا فَضَرَبَهَا حَتَّى إِذَا أَذْلَقَهَا أَيْ: أَقْلَقَهَا قَامَتْ فَرَكِبَهَا، فَلَمْ تَسِرْ بِهِ كَثِيرًا حَتَّى رَبَضَتْ، فَفَعَلَ بِهَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَامَتْ فَرَكِبَهَا فَلَمْ تَسْرِ بِهِ كَثِيرًا حَتَّى رَبَضَتْ فَفَعَلَ بِهَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَامَتْ فَرَكِبَهَا فَلَمْ تَسْرِ بِهِ كَثِيرًا حَتَّى رَبَضَتْ فَضَرَبَهَا حَتَّى إِذَا أَذْلَقَهَا أَذِنَ اللَّهُ لَهَا بِالْكَلَامِ، فَكَلَّمَتْهُ حُجَّةً عَلَيْهِ فَقَالَتْ: وَيْحَكَ يَا بَلْعَامُ أَيْنَ تَذْهَبُ أَلَا تَرَى الْمَلَائِكَةَ أَمَامِي تَرُدُّنِي عَنْ وَجْهِي هَذَا، أَتَذْهَبُ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ وَالْمُؤْمِنِينَ لِتَدْعُوَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَنْزِعْ فَخَلَى اللَّهُ سَبِيلَهَا، فَانْطَلَقَتْ حَتَّى إِذَا أَشْرَفَتْ بِهِ عَلَى جَبَلِ حُسْبَانَ جَعَلَ يَدْعُو عَلَيْهِمْ وَلَا يَدْعُو عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ إِلَّا صَرَفَ بِهِ لِسَانَهُ إِلَى قَوْمِهِ، وَلَا يَدْعُو لِقَوْمِهِ بِخَيْرٍ إِلَّا صَرَفَ بِهِ لِسَانَهُ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ لَهُ قَوْمُهُ: أَتَدْرِي مَا تَصْنَعُ إِنَّمَا تَدْعُو لَهُمْ وَعَلَيْنَا. قَالَ: فَهَذَا مَا لَا أَمْلِكُ هَذَا شَيْءٌ قَدْ غَلَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَانْدَلَعَ لِسَانُهُ أَيْ: خَرَجَ فَوَقَعَ عَلَى صَدْرِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: قَدْ ذَهَبَتِ الْآنَ مِنِّي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْمَكْرُ وَالْحِيلَةُ، فَسَأَمْكُرُ لَكُمْ وَأَحْتَالُ جَمِّلُوا النِّسَاءَ وَزَيَّنُوهُنَّ وَأَعْطَوْهُنَّ السِّلَعَ، ثُمَّ أَرْسَلُوهُنَّ إِلَى الْعَسْكَرِ يَبِعْنَهَا فِيهِ، وَمُرُوهُنَّ لَا تَمْنَعُ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا مِنْ رَجُلٍ أَرَادَهَا، فَإِنَّهُمْ إِنْ زَنَى رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ كُفِيتُمُوهُمْ، فَفَعَلُوا فَلَمَّا دَخَلَ النِّسَاءُ الْعَسْكَرَ مَرَّتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْكَنْعَانِيِّينَ بِرَجُلٍ مِنْ عُظَمَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَامَ إِلَيْهَا فَأَخَذَ بِيَدِهَا حَتَّى أَعْجَبَتْهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهَا حَتَّى وَقَفَ بِهَا عَلَى مُوسَى فَقَالَ: إِنِّي لَأَظُنُّكَ سَتَقُولُ هَذِهِ حَرَامٌ عَلَيْكَ. قَالَ: أَجَلْ هِيَ حَرَامٌ عَلَيْكَ لَا تَقْرَبْهَا. قَالَ: فَوَاللَّهِ لَا نُطِيعَكَ فِي هَذَا، ثُمَّ دَخَلَ بِهَا قُبَّتَهُ فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَأَرْسَلَ اللَّهُ الطَّاعُونَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْوَقْتِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute