جَازَ وَمَعَ غَيْرِهِ لَا يَصِحُّ وَاخْتِيرَتْ لِلْفَتْوَى لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ كَمْ مِنْ وَاقِعٍ لَا يَرْفَعُ، وَلَيْسَ كُلُّ وَلِيٍّ يُحْسِنُ الْمُرَافَعَةَ وَالْخُصُومَةَ وَلَا كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ وَلَوْ أَحْسَنَ الْوَلِيُّ وَعَدَلَ الْقَاضِي فَقَدْ يُتْرَكُ؛ أَنَفَةً لِلتَّرَدُّدِ عَلَى أَبْوَابِ الْحُكَّامِ وَاسْتِثْقَالًا لِنَفْيِ الْخُصُومَاتِ فَيَتَقَرَّرُ الضَّرَرُ فَكَانَ مَنْعُهُ دَفْعًا لَهُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ عَدَمِ الصِّحَّةِ الْمُفْتَى بِهِ بِمَا إِذَا كَانَ لَهَا أَوْلِيَاءُ أَحْيَاءٌ ; لِأَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ إِذَا كَانَ عَلَى مَا وَجَّهَ بِهِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ دَفَعًا لِضَرَرِهِمْ وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إِلَى حَقِّهَا فَقَدْ سَقَطَ بِرِضَاهَا بِغَيْرِ الْكُفْرِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي مُوسَى وَابْنِ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: " الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَنَحْوُهُ مَعَارَضٌ بُقُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، وَالْأَيِّمُ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ أَثْبَتَ لِكُلٍّ مِنْهَا وَمِنَ الْوَلِيِّ حَقًّا فِي ضِمْنِ قَوْلِهِ أَحَقُّ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ سِوَى مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ إِذَا رَضِيَتْ وَقَدْ جَعَلَهَا أَحَقَّ مِنْهُ بِهِ وَبَعْدَ هَذَا إِمَّا أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا رَوَوْا حُكْمُ الْمُعَارَضَةِ وَالتَّرْجِيحِ أَوْ طَرِيقَةِ الْجَمْعِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَتَرَجَّحُ هَذَا بِقُوَّةِ السَّنَدِ وَعَدَمِ الِاخْتِلَافِ فِي صِحَّتِهِ بِخِلَافِ حَدِيثِ " «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ» " فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ مُضْطَرِبٌ فِي إِسْنَادِهِ وَفِي وَصْلِهِ وَانْقِطَاعِهِ وَإِرْسَالِهِ، وَكَذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الْآتِي عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَقَدْ أَنْكَرَهُ الزُّهْرِيُّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْهُ ابْنَ شِهَابٍ فَلَمْ يَعْرِفْهُ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ بِذَلِكَ، وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ إِعْمَالُ طَرِيقَةِ الْجَمْعِ فَبِأَنْ يُحْمَلَ عُمُومُهُ عَلَى الْخُصُوصِ وَذَلِكَ شَائِعٌ وَهَذَا يَخُصُّ حَدِيثَ أَبِي مُوسَى بَعْدَ جَوَازِ كَوَنِ النَّفْيِ لِلْكَمَالِ وَالسُّنَّةِ وَهُوَ مَحْمَلُ قَوْلِهَا: فَإِنَّ النِّسَاءَ لَا تَلِي وَلَا يَنْكِحْنَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ بِأَنْ يُرَادَ بِالْوَلِيِّ مَنْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إِذْنِهِ أَيْ: لَا نِكَاحَ إِلَّا بِمَنْ لَهُ وِلَايَةٌ لِيَنْفِيَ نِكَاحَ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَةَ وَالْمَعْتُوهَةِ وَالْأَمَةِ وَالْعَبْدِ أَيْضًا لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي الْحَدِيثِ عَامٌّ غَيْرُ مُقَيَّدٍ وَيَخُصُّ حَدِيثَ عَائِشَةَ بِمَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ الْكُفُؤِ، وَالْمُرَادُ بِالْبَاطِلِ حَقِيقَتُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يُصَحِّحْ مَا بَاشَرَتْهُ مِنْ غَيْرِ كُفُؤٍ أَوْ حِكْمَةٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُصَحِّحُهُ وَيُثْبِتُ لِلْوَلِيِّ حَقَّ الْخُصُومَةِ فِي فَسْخِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ شَائِعٌ فِي إِطْلَاقَاتِ النُّصُوصِ وَيَجِبُ ارْتِكَابُهُ لِدَافِعِ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّهُ يُخَالِفُ مَذْهَبَهُمْ ; فَإِنَّ مَفْهُومَهُ إِذَا نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِإِذْنِ وَلَيِّهَا كَانَ صَحِيحًا وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِهِمْ. فَثَبَتَ مَعَ الْمَنْقُولِ الْوَجْهُ الْمَعْنَوِيُّ وَهُوَ أَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا وَهُوَ نَفْسُهَا وَهِيَ مِنْ أَهْلِهِ كَالْمَالِ فَيُحِبُّ تَصْحِيحُهُ مَعَ كَوْنِهِ خِلَافَ الْأُولَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute