للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٢٠٣ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

٢٠٣ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ) أَيْ: أَعْمَالُهُ بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَالْمُرَادُ فَائِدَةُ عَمَلِهِ لِانْقِطَاعِ عَمَلِهِ يَعْنِي لَا يَصِلُ إِلَيْهِ أَجْرٌ وَثَوَابٌ مِنْ شَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ (إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ) أَيْ: مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، فَإِنَّ فَائِدَتَهَا لَا تَنْقَطِعُ عَنْهُ لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يُثِيبُ الْمُكَلَّفَ بِكُلِّ فِعْلٍ يَتَوَقَّفُ وُجُودُهُ بِوَجْهِ مَا عَلَى كَسْبِهِ، سَوَاءٌ فِيهِ الْمُبَاشَرَةُ وَالتَّسَبُّبُ (إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ) . قَالَ الطِّيبِيُّ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ: أَسْقَطُوا (إِلَّا) وَهِيَ مُثْبَتَةٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَكِتَابِ الْحُمَيْدِيِّ، وَجَامِعِ الْأُصُولِ وَالْمَشَارِقِ، وَهُوَ إِلَى آخِرِهِ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ، فَعَلَى التَّكْرِيرِ فِيهِ مَزِيدُ تَقْرِيرٍ وَاعْتِنَاءٍ بِشَأْنِهِ اهـ.

وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: " مِنْ " زَائِدَةٌ وَالتَّنْوِينُ عِوَضُ الْإِعْمَالِ، وَقِيلَ: بَلِ الضَّمِيرُ فِي عَنْهُ زَائِدٌ، وَمَعْنَاهُ إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْ أَعْمَالِهِ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ كِلْتَاهُمَا أَصْلِيَّتَانِ، وَمَعْنَاهُ إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ وَانْقَطَعَ هُوَ عَنْ عَمَلِهِ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةِ أَعْمَالٍ (جَارِيَةٍ) : يَجْرِي نَفْعُهَا فَيَدُومُ أَجْرُهَا كَالْوَقْفِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ، وَفِي الْأَزْهَارِ قَالَ أَكْثَرُهُمْ: هِيَ الْوَقْفُ وَشِبْهُهُ مِمَّا يَدُومُ نَفْعُهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ الْقَنَاةُ وَالْعَيْنُ الْجَارِيَةُ الْمُسَبَّلَةُ. قُلْتُ: وَهَذَا دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الْأَوَّلِ، وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا هَذَا الْخَاصَّ لَكِنْ لَا وَجْهَ لِلتَّخْصِيصِ (أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ) أَيْ: بَعْدَ مَوْتِهِ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: قُيِّدَ الْعِلْمُ بِالْمُنْتَفَعِ بِهِ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُؤْتَى بِهِ أَجْرًا، وَالْمُرَادُ بِالْمُنْتَفَعِ بِهِ الْعِلْمُ بِاللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَمَلَائِكَتِهِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ عِلْمُ الْكَلَامِ، أَيِ: الْعَقَائِدُ وَالْعِلْمُ بِكُتُبِهِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ التَّفْسِيرُ وَبِمَلَكُوتِ أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ عِلْمُ الرِّيَاضِيِّ. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ. قَالَ: وَالْعِلْمُ بِشَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدْخُلُ فِيهِ التَّفْسِيرُ أَيْضًا، وَالْحَدِيثُ وَالْفِقْهُ وَأُصُولُهُ. قُلْتُ: الْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَخِيرِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى النَّقِيرِ الْقِطْمِيرِ. (أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ) أَيْ: مُؤْمِنٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ (يَدْعُو لَهُ) . قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: قَيَّدَ الْوَلَدَ بِالصَّالِحِ لِأَنَّ الْأَجْرَ لَا يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ دُعَاءَهُ تَحْرِيضًا لِلْوَلَدِ عَلَى الدُّعَاءِ لِأَبِيهِ حَتَّى قِيلَ: لِلْوَالِدِ ثَوَابٌ مِنْ عَمَلِ الْوَلَدِ الصَّالِحِ سَوَاءٌ دَعَا لِأَبِيهِ أَمْ لَا، كَمَا أَنَّ غَرْسَ شَجَرَةٍ يُجْعَلُ لِلْغَارِسِ ثَوَابٌ بِأَكْلِ ثَمَرَتِهَا، سَوَاءٌ دَعَا لَهُ الْآكِلُ أَمْ لَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ تَقْدِيرُهُ يَنْقَطِعُ عَنْهُ ثَوَابُ أَعْمَالِهِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَلَا يَنْقَطِعُ ثَوَابُ أَعْمَالِهِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ يَعْنِي: إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ لَا يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ أَعْمَالِهِ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْعَمَلِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ بِمَوْتِهِ إِلَّا فِعْلًا دَائِمَ الْخَيْرِ مُسْتَمِرَّ النَّفْعِ مِثْلَ وَقْفِ أَرْضٍ أَوْ تَصْنِيفِ كِتَابٍ أَوْ تَعْلِيمِ مَسْأَلَةٍ يُعْمَلُ بِهَا، أَوْ وُلِدٍ صَالَحٍ، وَجَعَلَ الْوَلَدَ مِنَ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِي وُجُودِهِ اهـ.

وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ هَذَا الْحَصْرِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» " لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمَسْنُونَةَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ، وَكَذَا لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " «كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا الْمُرَابِطَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَنْمُو لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» " لِأَنَّ النَّامِيَ مِنْ عَمَلِ الْمُرَابِطِ مَا قَدَّمَهُ فِي حَيَاتِهِ، وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ فَإِنَّهَا أَعْمَالٌ تَحْدُثُ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَا تَنْقَطِعُ عَنْهُ لِأَنَّهُ سَبَبُ تِلْكَ الْأَعْمَالِ، فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ يَلْحَقُهُ مِنْهَا ثَوَابٌ صَارَ خِلَافَ أَعْمَالِهِ الَّذِي مَاتَ عَلَيْهَا، أَوْ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ لَا يُزَادُ فِي ثَوَابِ مَا عَمِلَ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا الْغَازِيَ، فَإِنَّ ثَوَابَ مُرَابَطَتِهِ يَنْمُو وَيَتَضَاعَفُ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَمَلَهُ يُزَادُ بِضَمِّ غَيْرِهِ أَوْ لَا يُزَادُ، وَقِيلَ: يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ الْمُرَابَطَةُ دَاخِلَةً فِي الصَّدَقَةِ الْجَارِيَةِ إِذِ الْمَقْصُودُ نُصْرَةُ الْمُسْلِمِينَ اهـ. وَهُوَ الْأَظْهَرُ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>