للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أَيْ: تَذَكَّرَهَا فَكَأَنَّهُ مِنَ الْهَوْلِ وَالدَّهْشَةِ، نَسِيَهَا وَذَهَلَ عَنْهَا (فَقَالَ تَعَالَى: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟) أَيْ: فِي مُقَابَلَتِهَا شُكْرًا لَهَا أَيْ فِي أَيَّامِهَا لِيَنْفَعَكَ الْيَوْمَ (قَالَ) : أَيِ الرَّجُلُ (قَاتَلْتُ فِيكَ) أَيْ: جَاهَدْتُ فِي جِهَتِكَ خَالِصًا لَكَ، كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. أَيْ: حَارَبْتُ لِأَجْلِكَ فَفِي تَعْلِيلِيَّةٌ (حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ) : الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْمَقُولَ صَدَرَ مِنْهُ عَلَى زَعْمِهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: ١٠٤] وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُبَالَغَةٌ فِي التَّمْوِيهِ الْمُعْتَادِ بِهِ عَلَى مَا وَرَدَ: كَمَا يَعِيشُونَ يَمُوتُونَ وَكَمَا يَمُوتُونَ يُحْشَرُونَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [المجادلة: ١٨] (قَالَ) : تَعَالَى (كَذَبْتَ) أَيْ: فِي دَعْوَى الْإِخْلَاصِ أَوْ فِي هَذَا الْقَوْلِ (وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ) أَيْ: فِي حَقِّكَ أَنَّكَ أَوْ هُوَ (جَرِيءٌ) فَعِيلٌ مِنَ الْجَرَاءَةِ فَهُوَ مَهْمُوزٌ، وَقَدْ يُدْغَمُ أَيْ: شُجَاعٌ (فَقَدْ قِيلَ) أَيْ ذَلِكَ الْقَوْلُ لَكَ وَفِي شَأْنِكَ فَحَصَلَ مَقْصُودُكَ وَغَرَضُكَ (ثُمَّ أَمَرَ بِهِ) أَيْ: قِيلَ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ أَلْقُوهُ فِي النَّارِ (فَسُحِبَ) أَيْ: جُرَّ (عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ) : مُبَالَغَةً فِي تَنْكِيلِهِ (وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ) : أَيِ: الشَّرْعِيَّ (وَعَلَّمَهُ) : أَيِ: النَّاسَ، أَيْ: وَصَلَ إِلَى مَرْتَبَةِ الْكَمَالِ وَالتَّكْمِيلِ (وَقَرَأَ الْقُرْآنَ) : فَهُوَ تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ، أَوِ الْمُرَادُ بِهِ مُجَرَّدُ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، يَعْنِي: التَّعَلُّمُ وَالتَّعْلِيمُ لَمْ يَمْنَعَاهُ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِالْقُرْآنِ، وَهَذَا أَظْهَرُ (فَأَتَى بِهِ) : إِلَى مَحْضَرِ الْحِسَابِ (فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ) : تَعَالَى أَوْ نِعَمَ الرَّجُلِ (فَعَرَفَهَا) : فَكَأَنَّهُ لِغَفْلَتِهِ عَنْهَا كَانَ أَنْكَرَهَا (قَالَ) : تَعَالَى (فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا) أَيْ: هَلْ صَرَفْتَهَا فِي مَرْضَاتِي أَمْ فِي غَيْرِهَا (قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ) أَيْ: صَرَفْتُ نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيَّ فِي الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالْقِرَاءَةِ ابْتِغَاءً لِوَجْهِكَ وَشُكْرًا لِنِعْمَتِكَ (قَالَ: كَذَبْتَ) : فِي دَعْوَى مَقَامِ الْإِخْلَاصِ أَوْ عَلَى مُقْتَضَى عَادَتِكَ (وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: إِنَّكَ عَالِمٌ) : وَلَعَلَّهُ لَمْ يَقُلْ: وَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ إِنَّكَ مُعَلِّمٌ؛ لِلِاخْتِصَارِ وَاكْتِفَاءً بِالْمُقَايَسَةِ، أَوْ لِأَنَّ أَسَاسَ الشَّيْءِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْإِخْلَاصِ، فَيَبْعُدُ بِنَاؤُهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَاصِ (وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ) : لَكَ عَالِمٌ وَقَارِئٌ فَمَا لَكَ عِنْدَنَا أَجْرٌ (ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ) . نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا (وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ) أَيْ: كَثُرَ مَالُهُ (وَأَعْطَاهُ) : عَطْفُ بَيَانٍ (مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ) : كَالنُّقُودِ وَالْمَتَاعِ وَالْعَقَارِ وَالْمَوَاشِي (فَأَتَى بِهِ) : عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ لِلِافْتِضَاحِ (فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ) : تَعَالَى (فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟) أَيْ: فِي مُقَابَلَةِ النِّعَمِ أَوْ فِي الْأَمْوَالِ (قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ) " مِنْ " زَائِدَةٌ تَأْكِيدًا لِاسْتِغْرَاقِ النَّفْيِ (تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا) : كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ وَإِعْطَاءِ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ (إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ. قَالَ: كَذَبْتَ) أَيْ: فِي قَوْلِكَ: لَكَ (وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ) أَيْ: سَخِيُّ كَرِيمٌ (فَقَدْ قِيلَ) : وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ عَمِلَ لِأَيِّ غَرَضٍ يَكُونُ (ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ) : (ثُمَّ) : هَذَا هُوَ الْأَصْلُ الصَّحِيحُ مِنَ النُّسَخِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَفِي نُسْخَةٍ هُنَا أَيْضًا (حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>