مُنْصَرِفٍ وَقَدْ يُصْرَفُ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ التَّنْعِيمِ بَنَى بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ، وَتُوُفِّيَتْ وَدُفِنَتْ فِيهِ، وَهَذَا مِنْ عَجَائِبِ التَّوَارِيخِ وَقَعَ الْهَنَاءُ وَالْعَزَاءُ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ مِنَ الطَّرِيقِ. (قَالَ) : أَيِ: ابْنُ عَبَّاسٍ (هَذِهِ زَوْجَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلَا تُزَعْزِعُوهَا وَلَا تُزَلْزِلُوهَا) : بِضَمِّ التَّاءِ فِيهِمَا أَيْ لَا تُعَجِّلُوهَا وَلَا تُحَرِّكُوهَا بِقُوَّةٍ. (وَارْفُقُوا بِهَا) : بِضَمِّ الْفَاءِ أَيِ الْطُفُوا بِهَا، وَعَظِّمُوا شَأْنَهَا (فَإِنَّهُ) : أَيِ: الشَّأْنَ ( «كَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِسْعُ نِسْوَةٍ كَانَ يَقْسِمُ مِنْهُنَّ لِثَمَانٍ وَلَا يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ» ) : أَيْ: لِرِضَاهَا بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا قَالَ الطِّيبِيُّ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ أَيْ مِنَ اللَّوَاتِي كَانَ يَهْتَمُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَأْنِهِنَّ فَيَقْسِمُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْوِيَةِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا وَهْمٌ، بَلْ إِنَّمَا هِيَ سَوْدَةُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَهَبَتْ يَوْمَهَا، وَالْغَلَطُ فِيهِ مِنَ ابْنِ جُرَيْجٍ رَاوِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: لَعَلَّ رِوَايَتَهُ صَحِيحَةٌ فَإِنَّهُ لَمَّا نَزَلَ {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: ٥١] قِيلَ إِنَّ الَّتِي أَرْجَاهَا سَوْدَةُ وَجُوَيْرِيَةُ وَصَفِيَّةُ وَأُمُّ حَبِيبَةَ وَمَيْمُونَةُ، وَالَّتِي أَوَى عَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَزَيْنَبُ وَحَفْصَةُ وَتُوُفِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ أَوَى إِلَى جَمِيعِهِنَّ إِلَّا صَفِيَّةَ أَرْجَاهَا وَلَمْ يَقْسِمْ لَهَا فَأَخْبَرَ عَطَاءٌ عَنْ آخِرِ الْأَمْرِ (وَكَانَتْ) : أَيْ: صَفِيَّةُ (آخِرِهُنَّ مَوْتًا مَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ) : أَيْ: فِي رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسِينَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ وَمَاتَتْ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَقِيلَ: سِتٍّ وَسِتِّينَ وَقِيلَ: ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَمَاتَتْ عَائِشَةُ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ، وَمَاتَتْ سَوْدَةُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ، وَمَاتَتْ حَفْصَةُ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، وَمَاتَتْ أُمُّ سَلَمَةَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ، وَمَاتَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ، وَمَاتَتْ زَيْنَبُ سَنَةَ عِشْرِينَ، وَمَاتَتْ جُوَيْرِيَةُ سَنَةَ خَمْسِينَ، كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَوَاهِبِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَاتَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَكَوْنُ صَفِيَّةَ آخِرَهُنَّ مَوْتًا غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِنْ جُعِلَ ضَمِيرُ " كَانَتْ " رَاجِعًا إِلَى مَيْمُونَةَ فَلَا يُلَائِمُهُ قَوْلُهُ " مَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ " فَلَا يَخْلُو الْكَلَامُ عَنِ الْإِشْكَالِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالْحَالِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ رَزِينٌ قَالَ غَيْرُ عَطَاءٍ هِيَ) : أَيِ: الَّتِي كَانَ لَا يَقْسِمُ لَهَا (سَوْدَةُ وَهُوَ) : أَيْ: هَذَا الْقَوْلُ (أَصَحُّ) : أَيْ: مِنْ قَوْلِ عَطَاءٍ هِيَ صَفِيَّةُ (وَهَبَتْ) : أَيْ: سَوْدَةُ (يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ) : اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ ( «حِينَ أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَاقَهَا فَقَالَتْ لَهُ: أَمْسِكْنِي وَقَدْ وَهَبْتُ يَوْمِي لِعَائِشَةَ لَعَلِّي أَنْ أَكُونَ مِنْ نِسَائِكَ فِي الْجَنَّةِ» ) : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُطَلِّقْهَا بِخِلَافِ مَا قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بَلَغَنَا «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: اعْتَدِّي، فَسَأَلَتْهُ بِوَجْهِ اللَّهِ أَنْ يُرَاجِعَهَا وَيَجْعَلَ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ لِأَنْ تُحْشَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ أَزْوَاجِهِ» ، وَالَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ بَلْ أَنَّهَا جَعَلَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، وَالَّذِي فِي الْمُسْتَدْرَكِ يُفِيدُ عَدَمَهُ، وَهُوَ مَا عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَوْدَةُ: حِينَ اسْتَنَّتْ وَفَرَقَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا رَسُولَ اللَّهِ يَوْمِي لِعَائِشَةَ فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفِيهَا وَفِي أَشْبَاهِهَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: ١٢٨] الْآيَةَ، وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَيُوَافِقُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَّقَ سَوْدَةَ، فَلَمَّا خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ أَمْسَكَتْ بِثَوْبِهِ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَالِي إِلَى الرِّجَالِ مِنْ حَاجَةٍ وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُحْشَرَ فِي أَزْوَاجِكَ، قَالَ: فَرَاجَعَهَا وَجَعَلَ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ» ، اهـ. وَهُوَ مُرْسَلٌ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَّقَهَا رَجْعِيَّةً، فَإِنَّ الْفُرْقَةَ فِيهَا لَا تَقَعُ بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ بَلْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَمَعْنَى قَوْلِ عَائِشَةَ فَرَقَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَافَتْ أَنْ يَسْتَمِرَّ الْحَالُ إِلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَتَقَعَ الْفُرْقَةُ فَيُفَارِقَهَا، وَلَا يُنَافِيهِ بَلَاغُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا ذَكَرَ فِي الْكِنَايَاتِ " اعْتَدِّي "، وَالْوَاقِعُ بِهَذِهِ الرَّجْعِيُّ لَا الْبَائِنُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute