٢٠٧ - وَعَنْ شَقِيقٍ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! لَوَدِدْتُ أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٢٠٧ - (وَعَنْ شَقِيقٍ) هُوَ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ، يُكَنَّى أَبَا وَائِلٍ الْأَسَدِيَّ، أَدْرَكَ زَمَنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَرَهُ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَهُوَ ثِقَةٌ حُجَّةٌ، رَوَى عَنْ خَلْقٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَكَانَ خِصِّيصًا بِهِ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ كَثِيرُ الْحَدِيثِ مَاتَ زَمَنَ الْحَجَّاجِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. (قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يُذَكِّرُ) : بِالتَّشْدِيدِ أَيْ: يَعِظُ (النَّاسَ) : وَيُخَوِّفُهُمْ أَيْ: يَذْكُرُ كَلَامَ اللَّهِ وَحَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ (فِي كُلِّ خَمِيسٍ) . وَلَعَلَّ وَجْهَ التَّخْصِيصِ لِيَصِلَ بَرَكَتُهُ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ (فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ) : يُحْتَمَلُ الرَّاوِي وَغَيْرُهُ (يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوَدِدْتُ) أَيْ: أَحْبَبْتُ أَوْ تَمَنَّيْتُ (أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ) : لِغَلَبَةِ الْغَفْلَةِ عَلَيْنَا لِيَعُودَ بِتَذْكِيرِكَ الْحُضُورُ إِلَيْنَا (قَالَ: أَمَا) : بِمَعْنَى أَلَا لِلتَّنْبِيهِ (إِنَّهُ) : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ (يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ) أَيْ: مِنَ التَّذْكِيرِ كُلَّ يَوْمٍ (أَنِّي أَكْرَهُ) : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ فَاعِلُ يَمْنَعُنِي، أَيْ: كَرَاهَتِي (أَنْ أُمِلَّكُمْ) : مَفْعُولُ أَكْرَهُ أَيْ: إِمْلَالَكُمْ يَعْنِي إِيقَاعَكُمْ فِي الْمَلَالَةِ (وَإِنِّي) : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَطْفٌ عَلَى " إِنَّهُ " أَوْ حَالٌ (أَتَخَوَّلُكُمْ) : مِنَ التَّخَوُّلِ، وَهُوَ التَّعَفُّفُ وَحَسْنُ الرِّعَايَةِ (بِالْمَوْعِظَةِ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَخَوَّلُنَا) : مِنَ التَّخَوُّلِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ تَفَقُّدُ الْحَالِ. رَوَى يَتَخَوَّنُنَا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ بِمَعْنَى يَتَخَوَّلُنَا. قِيلَ: الرِّوَايَةُ بِاللَّامِ أَكْثَرُ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الصَّوَابَ يَتَحَوَّلُنَا بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، لَكِنَّ الرِّوَايَةَ فِي الصِّحَاحِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَكَانَ أَبُو عَمْرٍو يَقُولُ: إِنَّمَا هُوَ يَتَخَوَّنُنَا وَالتَّخَوُّنُ: التَّعَهُّدُ، وَقَدْ رَدَّ عَلَى الْأَعْمَشِ رِوَايَتَهُ بِاللَّامِ، وَكَانَ الْأَصْمَعِيُّ يَقُولُ: ظَلَمَهُ أَبُو عَمْرٍو، وَيُقَالُ: يَتَخَوَّلُنَا وَيَتَخَوَّنُنَا جَمِيعًا. كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ، يَعْنِي يَتَفَقَّدُنَا (بِهَا) أَيْ: بِالْمَوْعِظَةِ فِي مَظَانِّ الْقَبُولِ، وَلَا يُكْثِرُ عَلَيْنَا وَلَا يَعِظُنَا مُتَوَالِيًا (مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا) . وَفِي الْمَصَابِيحِ: كَرَاهَةَ السَّآمَةِ أَيِ الْمَلَالَةِ إِذْ لَا تَأْثِيرَ لِلْمَوْعِظَةِ عِنْدَ الْمَلَالَةِ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ أَيْ يَعِظُنَا يَوْمًا دُونَ يَوْمٍ وَوَقْتًا دُونَ وَقْتٍ، وَيُرْوَى بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا أَيْ: يَتَأَمَّلُ أَحْوَالَنَا الَّتِي نَنْشَطُ فِيهَا لِلْمَوْعِظَةِ فَيَعِظُنَا فِيهَا، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ الْمَشَايِخُ وَالْوُعَّاظُ فِي تَرْبِيَةِ الْمُرِيدِينَ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute