بَابُ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٣٢٧٤ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قِيسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
(بَابُ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ)
فِي الْمُغْرِبِ: خَلَعَ الْمَلْبُوسَ نَزَعَهُ، وَخَالَعَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا وَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ إِذَا افْتَدَتْ بِمَالِهَا، فَإِذَا أَجَابَهَا الرَّجُلُ فَطَلَّقَهَا قِيلَ خَلَعَهَا، وَالِاسْمُ الْخُلْعُ بِالضَّمِّ وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ كُلًّا لِبَاسُ صَاحِبِهِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُمَا انْتَزَعَا لِبَاسَهُمَا؟ قَالَ تَعَالَى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: ١٨٧] وَفِي الْعِنَايَةِ شَرْحُ الْهِدَايَةِ الْخُلْعُ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ أَخْذِ مَالٍ مِنَ الْمَرْأَةِ بِإِزَاءِ مِلْكِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْخُلْعِ، قَالَ الْمُظْهِرُ: اخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ خَالَعْتُكِ عَلَى كَذَا، وَقَالَتْ قَبِلْتُ وَحَصَلَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا هَلْ هِيَ طَلَاقٌ أَمْ فَسْخٌ؟ فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَصَحُّ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ طَلَاقٌ بَائِنٌ كَمَا لَوْ قَالَ: طَلَّقْتُكِ أَيْ عَلَى كَذَا، وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ فَسْخٌ، ثُمَّ الطَّلَاقُ اسْمٌ بِمَعْنَى التَّطْلِيقِ كَالسَّلَامِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ وَالتَّرْكِيبُ يَدُلُّ عَلَى الْحَلِّ وَالِانْحِلَالِ، وَمِنْهُ أَطْلَقْتُ الْأَسِيرَ إِذَا حَلَلْتَ إِسَارَهُ وَخَلَّيْتَ سَبِيلَهُ، وَأَطْلَقْتُ النَّاقَةَ مِنَ الْعِقَالِ.
(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)
٣٢٧٤ - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ) : أَيِ: ابْنِ شَمَّاسٍ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهَا، وَالرَّاجِحُ أَنَّهَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ، قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي التَّقْرِيبِ: هِيَ صَحَابِيَّةٌ وَهِيَ الَّتِي اخْتَلَعَتْ مِنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، فَتَزَوَّجَهَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ بَعْدَهُ (أَتَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) : قِيلَ وَقَدْ ضَرَبَهَا زَوْجُهَا ضَرْبَ تَأْدِيبٍ (فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ) : بِكَسْرِ التَّاءِ وَيُضُمُّ أَيْ مَا أَغْضَبُ وَمَا أَعِيبُ (عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ) : بِضَمَّتَيْنِ (وَلَا دِينٍ) : أَيْ: لَا أُرِيدُ مُفَارَقَتَهُ لِسُوءِ خُلُقِهِ وَإِسَاءَةِ مُعَاشَرَتِهِ وَلَا لِنُقْصَانٍ فِي دِيَانَتِهِ (وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ) : عَرَّضَتْ عَمَّا فِي نَفْسِهَا مِنْ كَرَاهَةِ الصُّحْبَةِ وَطَلَبِ الْخَلَاصِ بِقَوْلِهَا وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ أَيْ كُفْرَانَ النِّعْمَةِ أَوْ بِمَعْنَى الْعِصْيَانِ، تَعْنِي لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَحَبَّةٌ وَأَكْرَهُهُ طَبْعًا، فَأَخَافُ عَلَى نَفْسِي فِي الْإِسْلَامِ مَا يُنَافِي حُكْمَهُ مِنْ بُغْضٍ وَنُشُوزٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُتَوَقَّعُ مِنَ الشَّابَّةِ الْمُبْغِضَةِ لِزَوْجِهَا، فَسَمَّتْ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْإِسْلَامِ بِاسْمِ مَا يُنَافِيهِ نَفْسَهُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟) : أَيِ: الَّتِي أَعْطَاكِ بِالْمَهْرِ وَهِيَ أَرْضٌ ذَاتُ شَجَرٍ مُثْمِرٍ (قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ - اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : أَيْ: لِزَوْجِهَا (اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً) : أَمْرُ اسْتِصْلَاحٍ وَإِرْشَادٍ إِلَى مَا هُوَ الْأَصْوَبُ، لَا إِيجَابٍ وَإِلْزَامٍ بِالطَّلَاقِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى لِلْمُطْلِّقِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ لِيَتَأَتَّى لَهُ الْعَوْدُ إِلَيْهَا إِنِ اتَّفَقَ بَدَاءً، قَالَ تَعَالَى {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: ١] : وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ لَا فَسْخٌ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: ثَنَا جُرَيْجٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ الْعَاصِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " جَعَلَ الْخُلْعَ تَطْلِيقَةً» ، وَمَرَاسِيلُ سَعِيدٍ لَهَا حُكْمُ الْوَصْلِ الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَكِبَارُ التَّابِعِينَ قَلَّ أَنْ يُرْسِلُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا عَنْ صَحَابِيٍّ، وَإِنِ اتَّفَقَ غَيْرُهُ نَادِرًا فَعَنْ ثِقَةٍ، هَكَذَا تَتَبَّعْتُ مَرَاسِيلَهُ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَبِهِ يَقْوَى ظَنُّ حَجِّيَّةِ مَا رَوَاهُ الْمُصَنَّفُ - يَعْنِي صَاحِبَ الْهِدَايَةِ - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ» " وَكَذَا مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَسَكَتَ عَلَيْهِ، وَابْنُ عَدِيٍّ، اهـ. وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ تَأْتِي فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute