للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَأَسْنَدَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي تِسْعًا وَتِسْعِينَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: ثَلَاثٌ تُبِينُهَا وَسَائِرُهُنَّ عُدْوَانٌ. وَرَوَى وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي أَلْفًا فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: بَانَتْ مِنْكَ بِثَلَاثٍ وَاقْسِمْ سَائِرَهُنَّ عَلَى نِسَائِكَ. وَرَوَى وَكِيعٌ أَيْضًا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي يَحْيَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ: طَلَّقْتُ امْرَأَتِي أَلْفًا فَقَالَ بَانَتْ مِنْكَ بِثَلَاثٍ، وَأَسْنَدَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ «عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ أَبَاهُ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ أَلْفَ تَطْلِيقَةٍ فَانْطَلَقَ عُبَادَةَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَانَتْ بِثَلَاثٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَبَقِيَ تِسْعُمِائَةٌ وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ عُدْوَانٌ وَظُلْمٌ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ» ، وَقَوْلُ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْمَذْهَبِ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مِائَةِ أَلْفِ عَيْنٍ رَأَتْهُ فَهَلْ صَحَّ لَكُمْ عَنْ هَؤُلَاءِ أَوْ عَنْ عُشْرِ عُشْرِ عُشْرِهِمُ الْقَوْلُ بِلُزُومِ الثَّلَاثِ بِفَمٍ وَاحِدٍ، بَلْ لَوْ جَهِدْتُمْ لَمْ تُطِيقُوا نَقْلَهُ عَنْ عِشْرِينَ نَفْسًا بَاطِلٌ، أَمَّا أَوَّلًا: فَإِجْمَاعُهُمْ ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقُلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ خَالَفَ عُمَرَ حِينَ أَمْضَى الثَّلَاثَ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ فِي نَقْلِ الْحُكْمِ الْإِجْمَاعِيِّ عَنْ مِائَةِ نَفْسٍ أَنْ يُسَمِّيَ كُلًّا، لِيَلْزَمَ فِي مُجَلَّدٍ كَبِيرٍ حُكْمٌ عَلَى أَنَّهُ إِجْمَاعٌ سُكُوتِيٌّ، وَأَمَا ثَانِيًا: فَإِنَّ الْعِبْرَةَ فِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ نَقْلُ مَا عَنِ الْمُجْتَهِدِينَ لَا الْعَوَامِّ، وَالْمِائَةُ الَّذِي تُوُفِّيَ عَنْهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَبْلُغُ عِدَّةُ الْمُجْتَهِدِينَ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ: كَالْخُلَفَاءِ وَالْعَبَادِلَةِ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَلِيلٍ، وَالْبَاقُونَ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِمْ وَيَسْتَفْتُونَ مِنْهُمْ، وَقَدْ أَثْبَتْنَا النَّقْلَ عَنْ أَكْثَرِهِمْ صَرِيحًا بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ مُخَالِفٌ، فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ، وَعَنْ هَذَا قُلْنَا لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِأَنَّ الثَّلَاثَ بِفَمٍ وَاحِدٍ وَاحِدَةٌ، لَمْ يُنَفَّذْ حُكْمُهُ ; لِأَنَّهُ لَا يُسَوَّغُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ فَهُوَ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ، وَالرِّوَايَةُ عَنْ أَنَسٍ بِأَنَّهَا ثَلَاثٌ أَسْنَدَهَا الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ وَغَايَةُ الْأَمْرِ فِيهِ أَنْ يَصِيرَ كَبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَجْمَعَ عَلَى نَفْيِهِ وَكُنَّ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ يُبَعْنَ، هَذَا، وَإِنْ حُمِلَ الْحَدِيثُ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ دَفْعًا لِمُعَارَضَةِ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى مَا أَوَجَدْنَاكَ مِنَ النَّقْلِ عَنْهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، وَعَدَمِ الْمُخَالِفِ لِعُمَرَ فِي إِمْضَائِهِ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ كَانَ وَاحِدَةً فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ، لِقَصْدِهِمُ التَّأْبِيدَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ ثُمَّ صَارُوا يَقْصِدُونَ التَّجْدِيدَ فَأَلْزَمَهُمْ عُمَرُ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِقَصْدِهِمْ، وَأَمَّا الْمَقَامُ الثَّلَاثُ وَهُوَ كَوْنُ الثَّلَاثِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مَعْصِيَةً أَوَّلًا، فَحُكِيَ فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ اسْتَدَلَّ بِالْإِطْلَاقَاتِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٦] وَمَا رُوِيَ «أَنْ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ لَمَّا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ قَالَ كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا» ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ تُمَاضِرَ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ وَطَلَّقَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ امْرَأَتَهُ شَهْبَاءَ ثَلَاثًا لَمَّا هَنَّأَتْهُ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَ مَوْتِ عَلِيٍّ وَلَنَا قَوْلُهُ - تَعَالَى - جَلَّ جَلَالُهُ {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩] إِلَى أَنْ قَالَ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة: ٢٣٠] فَلَزِمَ أَنْ لَا طَلَاقَ شَرْعًا إِلَّا كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شَيْءٌ، وَهَذَا مِنْ طُرُقِ الْحَصْرِ، فَلَا طَلَاقَ مَشْرُوعٌ ثَلَاثًا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَكَانَ يَتَبَادَرُ أَنْ لَا يَقَعَ شَيْءٌ كَمَا قَالَتِ الْإِمَامِيَّةُ، لَكِنْ لَمَّا عَلِمْتَ أَنَّ عَدَمَ مَشْرُوعِيَّتِهِ كَذَلِكَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ تَفْوِيتُ مَعْنَى شَرْعِيَّتِهِ - سُبْحَانَهُ - لَهُ كَذَلِكَ وَإِمْكَانُ التَّدَارُكِ عِنْدَ النَّدَمِ وَقَدْ يَعُودُ ضَرَرُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ لَا، وَلَنَا أَيْضًا مَا قَدَّمْنَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي طَلَّقَ ثَلَاثًا وَجَاءَ يَسْأَلُ: " عَصَيْتَ رَبَّكَ "، وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ حَيْثُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَانَتْ بِثَلَاثٍ فِي مَعْصِيَةٍ، وَكَذَا مَا حَدَّثَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: إِنَّ عَمِّي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَقَالَ: إِنْ عَمَّكَ عَصَى اللَّهَ، فَأَثِمَ، وَأَطَاعَ الشَّيْطَانَ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَمَا رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ. . الْحَدِيثَ، كَمَا سَبَقَ، اهـ. وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ مُسْتَنِدًا إِلَى بَعْضِ عُلَمَائِنَا أَنَّ الْبِكْرَ إِذَا طُلِّقَتْ ثَلَاثًا لَا يَقَعُ إِلَّا وَاحِدَةً فَخَطَأٌ فَاحِشٌ نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الْهُمَامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>