للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْإِيلَاجِ وَإِنَّمَا هُوَ كَمَالٌ، وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْعُسَيْلَةُ هِيَ الْجِمَاعُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: شَبَّهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَذَّةَ الْجِمَاعِ بِذَوْقِ الْعَسَلِ فَاسْتَعَارَ لَهَا ذَوْقًا وَإِنَّمَا أَنَّثَ لِأَنَّهُ أَرَادَ قِطْعَةً مِنَ الْعَسَلِ وَدَلَّ عَلَى إِعْطَائِهَا مَعْنَى النُّطْفَةِ، وَقِيلَ: الْعَسَلُ فِي الْأَصْلِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَإِنَّمَا صَغَّرَهُ إِشَارَةً إِلَى الْقَدْرِ الْقَلِيلِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْحِلُّ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالُوا: إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَلَا تَحِلُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَيُصِيبَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي، فَإِنْ فَارَقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا قَبْلَ إِصَابَتِهَا فَلَا تَحِلُّ وَلَا تَحِلُّ إِصَابَةُ شُبْهَةٍ وَلَا زِنًا وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ، وَكَانَ ابْنُ الْمُنْذِرِ يَقُولُ: فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ إِنْ وَاقَعَهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا لَا تُحِسُّ بِاللَّذَّةِ إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ الذَّوْقَ أَنْ يُحِسَّ بِاللَّذَّةِ، وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهَا تَحِلُّ، أَقُولُ: فَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّهُ يَكْفِي أَنَّهَا لَوْ أَحَسَّتِ اللَّذَّةَ، أَوْ يُقَالُ أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ لِأَنَّهُ جَوَابٌ وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِالْغَرَضِ مِنَ النَّفْيِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنَ الِاقْتِصَارِ عَلَى قَوْلِهِ: حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا أَوْ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَصَوَّرُ جِمَاعُهَا مِنْ غَيْرِ لَذَّةٍ لَهَا، بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ جِمَاعُهُ مِنْ غَيْرِ لَذَّةٍ لَهُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ تَغْيِيبَ الْحَشَفَةِ فِي قُبُلِهَا كَافٍ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إِنْزَالٍ، وَشَرَطَ الْحَسَنُ الْإِنْزَالَ لِقَوْلِهِ " حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ " وَهِيَ النُّطْفَةُ، قُلْتُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: " وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكَ " بَلْ وَفِي ذِكْرِ الذَّوْقِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِنْزَالَ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ شِبَعٌ، وَأَيْضًا الْجِمَاعُ اخْتِيَارِيٌّ بِخِلَافِ الْإِنْزَالِ، وَأَيْضًا لَفْظُ الْآيَةِ حَتَّى تَنْكِحَ، وَالنِّكَاحُ يُطْلَقُ عَلَى الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ الْمُطْلَقِ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي الْهِدَايَةِ: لَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي شَرْطِ الدُّخُولِ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: أَيْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْمُرَادُ الْخِلَافُ الْعَالِي سِوَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ كَوْنُ بِشْرٍ الْمِرِّيسِيِّ وَدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ وَالشِّيعَةِ قَائِلِينَ بِقَوْلِهِ، وَاسْتُغْرِبَ ذَلِكَ مِنْ سَعِيدٍ حَتَّى قِيلَ: لَعَلَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَبْلُغْهُ، وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِخِلَافِهِ لَا يُنَفَّذُ؛ لِمُخَالَفَةِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ، قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَمَنْ أَفْتَى بِهَذَا الْقَوْلِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، اهـ. وَهَذَا لِأَنَّ شَرْعِيَّةَ ذَاكَ لِإِغَاظَةِ الزَّوْجِ حَتَّى لَا يُسْرِعَ فِي كَثْرَةِ الطَّلَاقِ عُومِلَ بِمَا يُبْغِضُ حِينَ عَمِلَ أَبْغَضَ مَا يُبَاحُ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ وَفِي لَفْظٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ إِنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: «كَذَبَتْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَا أَنْفُضُهَا نَفَضَ الْإَدِيمِ، وَلَكِنْ نَاشِزَةٌ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى رِفَاعَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَحِلِّي لَهُ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» ، وَرَوَى الْجَمَاعَةُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ فَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُوَاقِعَهَا، أَتَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ؟ قَالَ: لَا حَتَّى يَذُوقَ الْآخَرُ مِنْ عُسَيْلَتِهَا مَا ذَاقَ الْأَوَّلُ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>