النَّفْسِ وَسُقُوطِهَا، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُحَلَّلِ لَهُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُحَلِّلِ فَلِأَنَّهُ يُعِيرُ نَفْسَهُ بِالْوَطْءِ لِغَرَضِ الْغَيْرِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَطَؤُهَا لِيُعَرِّضَهَا لِوَطْءِ الْمُحَلَّلِ لَهُ وَلِذَلِكَ مَثَّلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْعَقْدِ كَمَا قِيلَ، بَلْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ سَمَّى الْعَاقِدَ مُحَلِّلًا وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا فَإِنَّ الْفَاسِدَ لَا يُحَلِّلُ، وَهُنَا إِذَا أُطْلِقَ الْعَقْدُ فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَفِيهِ خِلَافٌ وَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ، قَالَ الشُّمُنِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ مَا مَعْنَى لَعْنِهِمَا قُلْتُ: مَعْنَى اللَّعْنِ عَلَى الْمُحَلِّلِ، لِأَنَّهُ نِكَاحٌ عَلَى قَصْدِ الْفِرَاقِ، وَالنِّكَاحُ شُرِّعَ لِلدَّوَامِ، وَصَارَ كَالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ، وَاللَّعْنُ عَلَى الْمُحَلَّلِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ سَبَبًا لِمِثْلِ هَذَا النِّكَاحِ وَالْمُرَادُ إِظْهَارُ خَسَاسَتِهِمَا لِأَنَّ الطَّبْعَ السَّلِيمَ يَنْفِرُ عَنْ فِعْلِهِمَا لَا حَقِيقَةَ اللَّعْنِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بُعِثَ لَعَّانًا، اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي الْفُرُوعِ عَلَى كَرَاهَةِ اشْتِرَاطِ التَّحْلِيلِ بِالْقَوْلِ، فَقَالُوا: إِذَا تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ بِأَنْ يَقُولَ: تَزَوَّجْتُكِ عَلَى أَنْ أُحِلَّكَ لَهُ، أَوْ تَقُولَ: هِيَ فَمَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمِ الْمُنْتَهِضَةِ سَبَبًا لِلْعِقَابِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَقَالُوا: وَلَوْ نَوَيَا اشْتِرَاطَ التَّحْلِيلِ وَلَمْ يَقُولَا يَكُونُ الرَّجُلُ مَأْمُورًا لِقَصْدِ الْإِصْلَاحِ، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ عَلَى قَصْدِ الْفِرَاقِ. . إِلَخْ عَلَى مَا إِذَا اشْتَرَطَاهُ بِالْقَوْلِ، أَمَّا إِذَا نَوَيَاهُ فَلَمْ يَسْتَوْجِبَا اللَّعْنَ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: إِنَّهُ مَأْجُورٌ، وَإِنْ شَرَطَاهُ بِالْقَوْلِ لِقَصْدِ الْإِصْلَاحِ، وَيَزُولُ اللَّعْنُ أَيْ إِذَا شَرَطَ الْأَجْرَ عَلَى ذَلِكَ، فِي الْهِدَايَةِ: وَالْمُحَلِّلُ الشَّارِطُ هُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ لِأَنَّ عُمُومَهُ وَهُوَ الْمُحَلِّلُ مُطْلَقًا غَيْرُ مُرَادٍ إِجْمَاعًا، وَالْأَشْمَلُ الْمُتَزَوِّجُ تَزْوِيجَ رَغْبَةٍ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَعَلَى الْمُخْتَارِ لِلْفَتْوَى لَوْ زَوَّجَتِ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا نَفْسَهَا بِغَيْرِ كُفُؤٍ وَدَخَلَ بِهَا لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ، قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ تُحْفَظَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، فَإِنَّ الْمُحَلِّلَ فِي الْغَالِبِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ كُفُؤٍ وَأَمَّا لَوْ بَاشَرَ الْوَلِيُّ عَقْدَ الْمُحَلِّلِ فَإِنَّهَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ (رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ) : أَيْ: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute