للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الْأَئِمَّةِ وَجَعَلَهُ الظَّاهِرِيَّةُ كَالْأَخْضَرِ وَالْأَحْمَرِ. (وَلَا تَكْتَحِلُ) : بِالْوَجْهَيْنِ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: إِلَّا مِنْ عُذْرٍ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً، هَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ، وَذَهَبَ الظَّاهِرِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا لَا تَكْتَحِلُ، وَلَوْ مِنْ وَجَعٍ وَعُذْرٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، حَيْثُ نَهَى نَهْيًا مُؤَكِّدًا عَنِ الْكُحْلِ الَّتِي اشْتَكَتْ عَيْنَهَا، وَالْجُمْهُورُ حَمَلُوهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقِ الْخَوْفُ عَلَى عَيْنِهَا، (وَلَا تَمَسُّ) : بِضَمِّ السِّينِ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا (طِيبًا إِلَّا إِذَا طَهُرَتْ) : بِفَتْحٍ وَضَمٍّ أَيْ: مِنَ الْحَيْضِ (نُبْذَةً) : بِضَمِّ النُّونِ أَيْ شَيْئًا يَسِيرًا، وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ الظَّرْفُ (مِنْ قُسْطٍ) : بِضَمِّ الْقَافِ ضَرْبٌ مِنَ الطِّيبِ، وَقِيلَ: هُوَ عُودٌ يُحْمَلُ مِنَ الْهِنْدِ، وَيُجْعَلُ فِي الْأَدْوِيَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْقِسْطُ عَقَارٌ مَعْرُوفٌ فِي الْأَدْوِيَةِ طَيِّبُ الرِّيحِ يُبَخَّرُ بِهِ النُّفَسَاءُ وَالْأَطْفَالُ (أَوْ أَظْفَارٍ) : بِفَتْحِ أَوَّلِهِ جِنْسٌ مِنَ الطِّيبِ لَا وَاحِدَ لَهُ، وَقِيلَ: وَاحِدُهُ ظُفُرٌ، وَقِيلَ: يُشْبِهُ الظُّفُرَ الْمَقْلُومَ مِنْ أَصْلِهِ، وَقِيلَ: هُوَ شَيْءٌ مِنَ الْعِطْرِ أَسْوَدُ، وَالْقِطْعَةُ مِنْهُ شَبِيهَةٌ بِالظُّفُرِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: الْقِسْطُ وَالْأَظْفَارُ نَوْعَانِ مِنَ الْعُودِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهِمَا الطِّيبُ، وَرُخِّصَ فِيهِمَا لِلْمُغْتَسِلَةِ مِنَ الْحَيْضِ لِإِزَالَةِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ يُتْبَعُ بِهِ أَثَرَ الدَّمِ لَا لِلتَّطَيُّبِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْإِحْدَادِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَفْصِيلِهِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا حُرَّةً أَوْ أَمَةً، مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ، وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْكِتَابِيَّةِ يَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» " وَتَأَوَّلَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الِاخْتِصَاصَ إِنَّمَا هُوَ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ هُوَ الَّذِي يَسْتَمِرُّ خِطَابُ الشَّارِعِ عَلَيْهِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ وَيَنْقَادُ لَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا إِحْدَادَ أَيْضًا عَلَى الصَّغِيرَةِ، وَلَا عَلَى الْأَمَةِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الصَّغِيرَةَ إِنَّمَا دَخَلَتْ فِي الْحُكْمِ لِكَوْنِهَا نَادِرَةً، فَسَلَكَتْ فِي الْحُكْمِ عَلَى سَبِيلِ الْغَلَبَةِ وَالتَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ: أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا خَرَجَ عَلَى غَالِبِ الْمُعْتَدَّاتِ اللَّاتِي تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا بِالْحَمْلِ، وَيَلْزَمُهَا الْإِحْدَادُ حَتَّى تَضَعَ، سَوَاءٌ قَصُرَتِ الْمُدَّةُ أَوْ طَالَتْ، وَقَالُوا: الْحِكْمَةُ فِي وُجُوبِ الْإِحْدَادِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ دُونَ الطَّلَاقِ أَنَّ الزِّينَةَ وَالطِّيبَ يَسْتَدْعِيَانِ النِّكَاحَ، فَنُهِيَتْ عَنْهُ زَجْرًا لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مَنْعِ مَعُتَدَّتِهِ مِنَ النِّكَاحِ، بِخِلَافِ الْمُطَلِّقِ الْحَيِّ فَإِنَّهُ يُسْتَغْنَى بِوُجُودِهِ عَنْ زَاجِرٍ آخَرَ، وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَيَجِبُ بِسَبَبِ التَّزَوُّجِ عَلَى الْمَبْتُوتَةِ وَهِيَ الْمُخْتَلِعَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا، أَوْ وَاحِدَةً بَائِنَةً ابْتِدَاءً، وَلَا تَعْلَمُ خِلَافًا فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الزَّوْجَةِ بِسَبَبِ غَيْرِ الزَّوْجِ مِنَ الْأَقَارِبِ وَهَلْ يُبَاحُ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ: وَلَا يَحِلُّ الْإِحْدَادُ لِمَنْ مَاتَ أَبُوهَا أَوِ ابْنُهَا أَوْ أُمُّهَا أَوْ أَخُوهَا، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الزَّوْجِ خَاصَّةً قِيلَ: أَرَادَ بِذَلِكَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ إِبَاحَتِهِ: لِلْمُسْلِمَاتِ عَلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ ثَلَاثَةً، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمَبْتُوتَةِ يُفِيدُ نَفْيَ وُجُوبِهِ عَلَى الرَّجْعِيَّةِ، وَيَنْبَغِي أَنَّهَا لَوْ أَرَادَتْ إِنْ تُحِدَّ عَلَى قَرَابَةٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَهَا زَوْجٌ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا، لَأَنَّ الزِّينَةَ حَقُّهُ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِهَا إِذَا امْتَنَعَتْ وَهُوَ يُرِيدُهَا، وَهَذَا الْإِحْدَادُ مُبَاحٌ لَهَا لَا وَاجِبٌ عَلَيْهَا، وَبِهِ يَفُوتُ حَقُّهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا إِحْدَادَ عَلَى الْمَبْتُوتَةِ لِأَنَّهُ لِإِظْهَارِ التَّأَسُّفِ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ لِصَبْرِهِ عَلَيْهَا إِلَى الْمَوْتِ. قُلْنَا: فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ نَصٌّ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ نَهَى الْمُعْتَدَّةَ أَنْ تَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ، وَقَالَ: " الْحِنَّاءُ طِيبٌ " ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا، وَعَزَاهُ لِلنَّسَائِيِّ هَكَذَا، وَلَفْظُهُ: فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنِ الْكُحْلِ وَالدُّهْنِ وَالْخِضَابِ بِالْحِنَّاءِ. وَقَالَ: " الْحِنَّاءُ طِيبٌ " وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ، وَيَجُوزُ كَوْنُهُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمُعْتَدَّةُ بِالْوَفَاةِ ثَبَتَ الْمَطْلُوبُ بِالْقِيَاسِ عَلَى عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا بِجَامِعِ إِظْهَارِ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَسْبَابِ النَّجَاةِ فِي الْمَعَادِ وَالدُّنْيَا، فَإِنَّهُ ضَابِطٌ لِلْحِكْمَةِ الْمَقْصُودَةِ لِفَوَاتِ الزَّوْجِ، وَكَوْنُ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ مِنَ الْمُهَيِّجَاتِ لِلشَّهْوَةِ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ عَنِ النِّكَاحِ شَرْعًا فِي هَذِهِ الْمَدَّةِ، فَتَمْتَنِعُ عَنْ دَوَاعِيهِ دَفْعًا لِمَا تَدَافَعَ عَنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} [الحديد: ٢٣] الْآيَةَ. فَالْمُرَادُ مِنْهُ الْأَسَفُ مَعَ الصِّيَاحِ وَالْفَرَحِ مَعَ الصِّيَاحِ، نُقِلَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ: " وَلَا تَخْتَضِبُ) : أَيْ: بِالْحِنَّاءِ وَهُوَ نَفْيٌ، وَقِيلَ نَهْيٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>