٣٣٣٣ - «وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ وَقَدْ جَعَلْتُ عَلَيَّ صَبِرًا. قَالَ: " مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ؟) : قُلْتُ: إِنَّمَا هُوَ صَبِرٌ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ. فَقَالَ: " إِنَّهُ يَشُبُّ الْوَجْهَ فَلَا تَجْعَلِيهِ إِلَّا بِاللَّيْلِ، وَتَنْزِعِيهِ بِالنَّهَارِ، وَلَا تَمْتَشِطِي بِالطِّيبِ وَلَا بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ خِضَابٌ ". قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ أَمْتَشِطُ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: " بِالسِّدْرِ تُغَلِّفِينَ بِهِ رَأْسَكِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
ــ
٣٣٣٣ - (وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) : أَيْ: أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ (قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ) : بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ: عِنْدِي، وَفِي بَيْتِي (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تُوُفِّيَ) : بِضَمَّتَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا أَيْ: مَاتَ (أَبُو سَلَمَةَ) : أَيْ: زَوْجُهَا الْأَوَّلُ قَبْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَقَدْ جَعَلْتُ عَلَيَّ) : أَيْ: عَلَى وَجْهِي (صَبِرًا) : بِفَتْحِ صَادٍ وَكَسْرِ مُوَحَّدَةٍ. وَفِي نُسْخَةٍ بِسُكُونِهَا. وَفِي الْقَامُوسِ: بِكَسْرِ الْبَاءِ كَكَتِفٍ وَلَا يُسَكَّنُ إِلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ، اهـ. وَقِيلَ: يَجُوزُ كِلَاهُمَا عَلَى السَّوِيَّةِ كَكَتْفٍ وَكَتِفٍ. وَقَالَ الْجَعْبَرِيُّ: الصَّبِرُ مَعْرُوفٌ بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ الْبَاءِ كَقَوْلِهِ:
لَا تَحْسِبِ الْمَجْدَ تَمْرًا أَنْتَ آكِلُهُ ... لَنْ تَبْلُغَ الْمَجْدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّبِرَا
وَجَاءَ إِسْكَانُهَا مَعَ كَسْرِ الصَّادِ وَفَتْحِهَا. وَفِي الْمِصْبَاحِ: الصَّبِرُ بِكَسْرِ الْبَاءِ فِي الْمَشْهُورِ دَوَاءٌ مُرٌّ وَسُكُونُ الْبَاءِ لِلتَّخْفِيفِ لُغَةٌ، وَرُوِيَ مَعَ فَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِهَا، فَيَكُونُ فِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ. (قَالَ: " مَا هَذَا) : أَيِ: التَّلَطُّخُ وَأَنْتِ فِي الْعِدَّةِ (يَا أُمَّ سَلَمَةَ قُلْتُ: إِنَّمَا هُوَ صَبِرٌ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ) : بِالْكَسْرِ أَيْ: عِطْرٌ (فَقَالَ: " إِنَّهُ) : أَيِ: الشَّأْنَ أَوِ الصَّبْرَ (يَشُبُّ) : بِفَتْحٍ فَضَمٍّ فَتَشْدِيدِ مُوَحَّدَةٍ أَيْ: يُوقِدُ (الْوَجْهَ) : وَيَزِيدُ فِي لَوْنِهِ، وَعَلَّلَ الْمَنْعَ بِهِ لِأَنَّ فِيهِ تَزْيِينًا لِلْوَجْهِ وَتَحْسِينًا لَهُ (فَلَا تَجْعَلِيهِ) : أَيْ: فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْهُ أَوْ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا تَفْعَلِيهِ (إِلَّا بِاللَّيْلِ) : لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ قَصْدِ الزِّينَةِ (وَتَنْزِعِيهِ) : بِكَسْرِ الزَّايِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَلَا تَجْعَلِيهِ عَلَى مَعْنَى فَاجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَانْزِعِيهِ (بِالنَّهَارِ) : لِأَنَّ إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُفَرَّعِ لَغْوٌ، وَالْكَلَامُ مُثْبَتٌ، وَحَذْفُ النُّونِ فِي تَنْزِعِيهِ لِلتَّخْفِيفِ، وَهُوَ خَبَرٌ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْهُمَامِ بِلَفْظِ " وَانْزِعِيهِ بِالنَّهَارِ " وَلَا تَمْتَشِطِي بِالطِّيبِ) : الْبَاءُ حَالٌ مِنَ الْمِشْطِ أَيْ: لَا تَسْتَحِلِّي الْمُشْطَ مُطَيَّبًا (وَلَا بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ خِضَابٌ " قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ أَمْتَشِطُ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: " بِالسِّدْرِ) : أَيِ: امْتَشِطِي بِالسِّدْرِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: بَاؤُهُ لِلْحَالِ أَيْضًا (تَغَلَّفِينَ بِهِ رَأْسَكِ) : بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ مَنْ تَغَلَّفَ الرَّجُلُ بِالْغَالِيَةِ أَيْ: تَلَطَّخَ بِهَا، أَيْ: تُكْثِرِينَ مِنْهُ عَلَى شَعْرِكِ حَتَّى يَصِيرَ غُلَافًا لَهُ فَتُغَطِّيهِ كَتَغْطِيَةِ الْغِلَافِ الْمَغْلُوفِ، وَرُوِيَ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ مِنَ التَّغْلِيفِ، وَهُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ غِلَافًا لِشَيْءٍ فَالْبَاءُ زَائِدَةٌ، وَيُقَالُ: غَلَفَ بِهَا لِحْيَتَهُ غَلْفًا مِنْ قَوْلِكَ: غَلَّفْتُ الْفَارَةَ أَيْ: جَعَلْتُهَا فِي غِلَافٍ، وَكَأَنَّ الْمَاسِحَ بِهَا رَأَسَهُ اتَّخَذَهُ غِلَافًا لَهُ وَغَلَّفَ بِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ: " تَغَلَّفِينَ " أَيْضًا حَالٌ مِنْ فَاعِلِ " امْتَشِطِي " أَوِ اسْتِئْنَافٌ، " وَتَغَلَّفِينَ " مَفْتُوحَةُ التَّاءِ عَلَى مَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ، وَفِي بَعْضِ نَسْخِ الْمَصَابِيحِ مِنَ التَّغَلُّفِ، فَالتَّاءُ مَضْمُومَةٌ، وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّفَعُّلَ فِيهِ التَّكَلُّفَ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) : وَكَذَا أَحْمَدُ، لَكِنْ فِي مُسْنَدِهِ مَجْهُولٌ، وَفِي الْمَبْسُوطِ تَمْتَشِطُ بِالْأَسْنَانِ الْوَاسِعَةِ لَا الضَّيِّقَةِ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَأَطْلَقَهَا الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مُطْلَقًا، وَكَوْنُهُ بِالضَّيِّقَةِ يَحْصُلُ مَعْنَى الزِّينَةِ. وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهَا. وَبِالْوَاسِعَةِ يَحْصُلُ دَفْعُ الضَّرَرِ مَمْنُوعٌ، بَلْ قَدْ يُحْتَاجُ لِإِخْرَاجِ الْهَوَامِّ إِلَى الضَّيِّقَةِ. نَعَمْ كُلَّمَا أَرَادَتْ بِهِ مَعْنَى الزِّينَةِ لَمْ يَحِلَّ، وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِ الْأَدْهَانِ الْمُطَيِّبَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الْمُطَيِّبَةِ كَالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ وَالسَّمْنِ، فَمَنَعْنَاهُ نَحْنُ وَالشَّافِعِيُّ إِلَّا لِضَرُورَةٍ لِحُصُولِ الزِّينَةِ بِهِ، وَأَجَازَهُ الْإِمَامَانِ وَالظَّاهِرِيَّةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute