الْفَصْلُ الثَّالِثُ
٣٣٣٥ - عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ الْأَحْوَصَ هَلَكَ بِالشَّامِ حِينَ دَخَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ زِيدٌ: إِنَّهَا إِذَا دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ وَبَرِئَ مِنْهَا، وَلَا تَرِثُهُ. رَوَاهُ مَالِكٌ.
ــ
٣٣٣٥ - (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخُوهُ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَكِبَارِ التَّابِعِينَ (أَنَّ الْأَحْوَصَ) : هُوَ ابْنُ جَوَّابٍ الضَّبَّيُّ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّابِعِينَ (هَلَكَ) : أَيْ: مَاتَ (بِالشَّامِ) : أَيْ: سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ (حِينَ دَخَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ) : بِفَتْحِ الْحَاءِ وَفِي نُسْخَةٍ بِكَسْرِهَا فِي الْقَامُوسِ: الْحَيْضَةُ: الْمَرَّةُ، وَبِالْكَسْرِ: الِاسْمُ، قَالَ فِي الْمَشَارِقِ: أَيِ الْحَالَةِ الَّتِي عَلَيْهَا (الثَّالِثَةِ، وَقَدْ كَانَ) : أَيِ: الْأَحْوَصُ (طَلَّقَهَا) : أَيْ قُبَيْلَ مَوْتِهِ (فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) : أَيْ: مُنَبِّهًا إِلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ (يَسْأَلُهُ فِي ذَلِكَ) . أَيْ عَمَّا ذُكِرَ مِنَ الْمَسْأَلَةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ هَلْ تَرِثُهُ أَمْ لَا؟ وَإِنَّمَا كَتَبَ إِلَيْهِ لِتَرَدُّدِهِ فِي الْحُكْمِ وَإِنْصَافِهِ بِالِاعْتِرَافِ، أَوْ لِمَا وَقَعَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِيهِ مِنَ الْخِلَافِ وَالِاخْتِلَافِ (فَكَتَبَ إِلَيْهِ زِيدٌ: إِنَّهَا) : أَيِ: الْمَرْأَةَ (إِذَا دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ) : أَيْ: مِنَ الزَّوْجِ (وَبَرِئَ مِنْهَا) : أَيْ مِنَ الْمَرْأَةِ (لَا يَرِثُهَا وَلَا تَرِثُهُ) . بَيَانٌ لِمَا قَبْلَهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْرَاءِ الثَّلَاثَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] الْأَطْهَارُ. قُلْتُ: هَذَا مَذْهَبُ صَحَابِيٍّ نُقِلَ عَنْهُ خِلَافُهُ، وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ مُعَاوِيَةَ عَمِلَ بِقَوْلِهِ أَمْ لَا. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَالْأَقْرَاءُ الْحَيْضُ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْأَطْهَارُ. وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَوْلُ مَالِكٍ وَنُقِلَ عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقَوْلُنَا قَوْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَالْعَبَادِلَةِ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ: مَعْبَدًا الْجُهَنِيَّ وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ قَوْلُ الْعَبَادِلَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَتَعَارَضَ عَنْهُ النَّقْلُ، وَمِمَّنْ رَوَاهُ عَنْهُ الطَّحَاوِيُّ، وَثَبَتَهُ بَعْضُ الْحُفَّاظِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَأَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ: عِلَّهُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ، فَتُعَارِضُ رِوَايَتَهُمْ عَنْ زَيْدٍ أَيْضًا، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَالْحَسَنَانِ ابْنُ حَيٍّ وَالْبَصَرِيُّ، وَمُقَاتِلٌ، وَشَرِيكٌ الْقَاضِي، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَرَبِيعَةُ السُّدِّيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِلَيْهِ رَجَعَ أَحْمَدُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي مُوَطَّئِهِ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى الْخَيَّاطُ الْمَدَنِيُّ عَنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهُمْ قَالَ: الرَّجُلُ أَحَقُّ بِامْرَأَتِهِ حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ مِنْهُمْ إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا كَانَتِ الْأَقْرَاءُ الْحَيْضَ لَا الطُّهْرَ إِذَا طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ، وَأَمَّا الطُّهْرُ فَيُحْسَبُ مِنْهَا، فَيَلْزَمُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بِالشُّرُوعِ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَالطَّلَاقُ فِي الطُّهْرِ هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ فَعَلَيْهِ يُبْنَى قَوْلُهُمْ. (رَوَاهُ مَالِكٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute