للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٣٦٩ - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ لَاءَمَكُمْ مِنْ مَمْلُوكِيكُمْ فَأَطْعِمُوهُ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَاكْسُوهُ مِمَّا تَكْسُونَ، وَمَنْ لَا يُلَائِمُكُمْ مِنْهُمْ فَبِيعُوهُ، وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ.

ــ

٣٣٦٩ - (وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ لَاءَمَكُمْ) : بِالْهَمْزِ فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْمِشْكَاةِ الْمُعْتَمَدَةِ الْحَاضِرَةِ مِنَ الْمُلَاءَمَةِ. وَفِي النِّهَايَةِ: أَيْ وَافَقَكُمْ وَسَاعَدَكُمْ، وَقَدْ يُخَفَّفُ الْهَمْزُ فَيَصِيرُ يَاءً. وَفِي الْحَدِيثِ يُرْوَى بِالْيَاءِ مُنْقَلِبَةً عَنِ الْهَمْزِ ذَكَرَ الطِّيِبِيُّ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا التَّخْفِيفَ غَيْرُ مُلَائِمٍ لِلْقِيَاسِ وَمُخَالِفٌ لِلرَّسْمِ أَيْضًا، وَلَعَلَّ مَحَلَّ التَّخْفِيفِ قَوْلُهُ الْآتِي وَمَنْ لَا يُلَائِمُكُمْ، فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِلرَّسْمِ وَالْقِيَاسِ فِيهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَالْمَعْنَى مَنْ نَاسَبَكُمْ (مِنْ مَمْلُوكِيكُمْ، فَأَطْعِمُوهُ مِمَّا تَأْكُلُونَ) : أَيْ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ بَعْضِهِ (وَاكْسُوهُ) بِهَمْزِ وَصْلٍ وَضَمِّ سِينٍ أَيْ أَلْبِسُوهُ (مِمَّا تَكْسُونَ) : أَيْ أَنْفُسَكُمْ يَعْنِي مِمَّا تَلْبَسُونَ أَنْتُمْ، أَوْ مِمَّا تَكْسُونَ مَمَالِيكَكُمْ عُرْفًا وَعَادَةً وَأُسْوَةً لِأَمْثَالِهِمْ (وَمَنْ لَا يُلَائِمُكُمْ مِنْهُمْ فَبِيعُوهُ، وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ) أَيْ وَلَا تُعَذِّبُوهُمْ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْهُ إِفَادَةً لِلْعُمُومِ فَيَشْمَلُهُمْ وَسَائِرَ الْحَيَوَانَاتِ وَالْبَهَائِمِ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّكُمْ لَا تُعَذِّبُوا أَنْفُسَكُمْ أَيْضًا، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: مَا أَرَادَ أَنْ يُحْسِنَ أَدَبَ مَمْلُوكِهِ فَيُسِيءَ أَدَبَهُ وَكَذَا بِالْعَكْسِ، فَلَا بُدَّ مِنِ احْتِمَالِ أَحَدِهِمَا، وَفِي الْمُلَاءَمَةِ إِشَارَةٌ إِلَى عَدَمِ حُصُولِ الْمُوَافَقَةِ الْكَامِلَةِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَعْنِي أَنْتُمْ وَهُمْ سَوَاءٌ فِي كَوْنِكُمْ خَلْقَ اللَّهِ، وَلَكُمْ فَضْلٌ عَلَيْهِمْ بِأَنْ مَلَكَتْهُمْ أَيْمَانُكُمْ، فَإِنْ وَافَقُوكُمْ فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِمْ، وَإِلَّا فَاتْرُكُوهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} [النحل: ٧١] أَيْ جَعَلَكُمْ مُتَفَاوِتِينَ فِي الرِّزْقِ فَرَزَقَكُمْ أَكَثْرَ مِمَّا رَزَقَ مَمَالِيكَكُمْ وَهُمْ بَشَرٌ مِثْلَكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَرُدُّوا فَضْلَ مَا رُزِقْتُمُوهُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَتَسَاوَوْا مَعَكُمْ فِي الْمَلْبَسِ وَالْمَطْعَمِ اهـ.

وَالتَّحْقِيقُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ مَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ حَيْثُ قَالَ: (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ (فَمِنْكُمْ غَنِيٌّ، وَمِنْكُمْ فَقِيرٌ، وَمِنْكُمْ مَوَالٍ يَتَوَالَوْنَ رِزْقَهُمْ وَرِزْقَ غَيْرِهِمْ، وَمِنْكُمْ مَمَالِيكُ حَالُهُمْ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ: {فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ} [النحل: ٧١] أَيْ. بِمُعْطِي رِزْقِهِمْ أَيْ رِزْقِ أَنْفُسِهِمْ {عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [النحل: ٧١] فَإِنَّ مَا يَرُدُّونَ عَلَيْهِمْ رِزْقَهُمُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ: {فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} [النحل: ٧١] فَالْمَوَالِي وَالْمَمَالِيكُ سَوَاءٌ فِي أَنَّ اللَّهَ رَزَقَهُمْ، فَالْجُمْلَةُ لَازِمَةٌ لِلْجُمْلَةِ الْمَنْفِيَّةِ أَوْ مُقَرِّرَةٌ لَهَا، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ وَاقِعَةً مَوْقِعَ الْجَوَابِ كَأَنَّهُ قِيلَ: {فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [النحل: ٧١] فَيَسْتَوُوا فِي الرِّزْقِ عَلَى أَنَّهُ رَدٌّ وَإِنْكَارٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُمْ يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ بَعْضَ مَخْلُوقَاتِهِ فِي الْأُلُوهِيَّةِ، وَلَا يَرْضَوْنَ أَنْ يُشَارِكَهُمْ عَبِيدُهُمْ فِيمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَيُسَاوُوهُمْ فِيهِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>