أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِهِ: لَمْ يُحَدِّثْ هَذَا الْحَدِيثَ مُسْنَدًا إِلَّا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَقَدْ شَكَّ فِيهِ، وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ الشَّافِعِيُّ، وَاقْتَصَرَ عَلَى عِتْقِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: حَدِيثُ سَمُرَةَ لَا يُعْرَفُ مُسْنَدًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عَمْرٍو، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا. قُلْتُ: إِذَا كَانَ مُسْنَدًا فَلَا إِشْكَالَ، وَالشَّكُّ فِي أَحَدِ طَرَفَيْهِ غَيْرُ مُضِرٍّ، وَالْمَوْقُوفُ عَنْ عُمَرَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ إِذْ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهِ، وَالْمُرْسَلُ حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَإِذَا اعْتَضَدَ فَعِنْدَ الْكُلِّ، وَأَغْرَبَ الطِّيبِيُّ حَيْثُ قَالَ: يُشَمُّ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ مَعْنَى الِاسْتِحْبَابِ، إِذْ جَعَلَ الْجَزَاءَ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى تَحَرِّي الْأَوْلَى، إِذْ لَمْ يَقُلْ: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَيُعْتِقُهُ أَوْ فَيُحَرِّرُهُ، بَلْ قِيلَ: فَهُوَ حُرٌّ، وَالْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ الَّتِي تَقْتَضِي الدَّوَامَ وَالثُّبُوتَ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ وَالْآتِيَةِ تُنْبِئُ عَنْ هَذَا لِأَنَّهُ مَا كَانَ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي حُرًّا وَكَذَا فِي الْآتِي اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ مَنْ شَمَّ رَائِحَةً مِنْ فَهْمِ الْكَلَامِ عَلِمَ أَنَّ الْحِكْمَةَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ أَبْلَغُ فِي تَحْصِيلِ الْحُكْمِ وَالْمَرَامِ مِنَ الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَإِنَّهَا تُفِيدُ بِظَاهِرِهَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِنْشَاءِ الْإِعْتَاقِ وَالتَّحْرِيرِ، وَلِذَا تَأَوَّلَ أَهْلُ الظَّاهِرِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى مَا سَبَقَ بِهِ التَّقْرِيرُ، فَالْجُمْلَةُ الْفِعْلِيَّةُ هِيَ الْأَوْلَى بِالدَّلَالَةِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. هَذَا وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَى النَّسَائِيُّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ( «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرِمٍ عَتَقَ عَلَيْهِ» ) . وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِسَبَبِ أَنَّ ضَمْرَةَ انْفَرَدَ بِهِ عَنْ سُفْيَانَ، وَصَحَّحَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَقَالَ: ضَمْرَةُ ثِقَةٌ، وَإِذَا أَسْنَدَ الْحَدِيثَ ثِقَةٌ فَلَا يَضُرُّ انْفِرَادُهُ بِهِ، وَلَا إِرْسَالُ مَنْ أَرْسَلَهُ، وَلَا وَقْفُ مَنْ وَقَفَهُ، وَصَوَّبَ ابْنُ الْقَطَّانِ كَلَامَهُ، وَمِمَّنْ وَثَّقَ ضَمْرَةَ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَأَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ( «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ» ) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ: انْفَرَدَ بِهِ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ حَمَّادٍ، وَقَدْ شَكَّ فِيهِ، فَإِنَّ مُوسَى بْنَ إِسْمَاعِيلَ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: عَنْ سَمُرَةَ فِيمَا يَحْسَبُ حَمَّادٌ، وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَشُعْبَةُ أَحْفَظُ مِنْ حَمَّادٍ اهـ.
وَفِيهِ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ الْحَقِّ وَابْنِ الْقَطَّانِ وَهُوَ: أَنَّ رَفْعَ الثِّقَةِ لَا يَضُرُّهُ إِرْسَالُ غَيْرِهِ، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ، أَنَّ رَجُلَا زَوَّجَ ابْنَ أَخِيهِ مَمْلُوكَتَهُ، فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَرِقَّ أَوْلَادَهَا، فَأَتَى ابْنُ أَخِيهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إِنَّ عَمِّي زَوَّجَنِي وَلِيدَتَهُ، وَإِنَّهَا وَلَدَتْ لِي أَوْلَادًا، فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَرِقَّ وَلَدِي، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَذَبَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي دَخَلْتُ السُّوقَ، فَوَجَدْتُ أَخِي يُبَاعُ فَاشْتَرَيْتُهُ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْتِقَهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: (إِنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ) .
قَالَ: وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ: رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَطَاءٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَحَمَّادٌ، وَالْحَاكِمُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَاللَّيْثُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، وَإِسْحَاقُ. وَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ دَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ: إِذَا مَلَكَ قَرِيبَهُ لَا يُعْتَقُ بِدُونِ الْإِعْتَاقِ الظَّاهِرِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ( «لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» ) . إِذْ لَوْ عَتَقَ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ لَمْ يَبْقَ لِقَوْلِهِ فَيُعْتِقَهُ فَائِدَةٌ ; لَأَنَّ الْقَرَابَةَ لَا تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْمِلْكِ فَلَا يَمْتَنِعُ بَقَاؤُهُ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا - إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: ٩٢ - ٩٣]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute