للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٤٠٩ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى ; فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ ; فَلْيَتَصَدَّقْ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

٣٤٠٩ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: بِاللَّاتَ وَالْعُزَّى ") : صَنَمَانِ مَعْرُوفَانِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ (" فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ") : أَيْ فَلْيَتُبْ إِلَى اللَّهِ وَلَهُ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ سَهْوًا جَرْيًا عَلَى الْمُعْتَادِ السَّابِقِ لِلْمُؤْمِنِ الْمُتَجَدِّدِ (" فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ") ، أَيْ: فَلْيَتُبْ كَفَارَّةً لِتِلْكَ الْكَلِمَاتِ، فَإِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ فَهَذَا تَوْبَةٌ مِنَ الْغَفْلَةِ. وَثَانِيهِمَا: أَنْ يَقْصِدَ تَعْظِيمَ اللَّاتِ وَالْعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَجْدِيدًا لِإِيمَانِهِ. فَهَذَا تَوْبَةٌ مِنَ الْمَعْصِيَةِ. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ، بَلْ يَأْثَمُ بِهِ وَيَلْزَمُهُ التَّوْبَةُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ عُقُوبَتَهُ فِي دِينِهِ، وَلَمْ يُوجِبْ فِي مَالِهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ ; لِأَنَّ الْيَمِينَ إِنَّمَا تَكُونُ بِالْمَعْقُودِ، وَإِذَا حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى، فَقَدْ ضَاهَى الْكُفَّارَ فِي ذَلِكَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَدَارَكَهُ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ اهـ.

وَالظَّاهِرُ الْمُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَلِفَ بِالصَّنَمِ مَذْمُومٌ، فَيَنْبَغِي أَنَّ يُتَدَارَكَ بِأَمْرٍ مَعْلُومٍ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى غَيْرِ هَذَا، وَسَيَأْتِي دَلِيلُ مَذْهَبِنَا. (" وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ ") : بِفَتْحِ اللَّامِ أَمْرٌ مِنْ تَعَالَى يَتَعَالَى، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْعَالِيَ يَطْلُبُ السَّافِلَ ثُمَّ تَوَسَّعَ أَيِ ائْتِ (" أُقَامِرْكَ ") : بِالْجَزْمِ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ أَيْ: أَفْعَلِ الْقِمَارَ مَعَكَ (" فَلْيَتَصَدَّقْ ") : أَيْ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ كَفَّارَةً لِمَقَالِهِ، وَقِيلَ: يَتَصَدَّقُ وَبِقَدْرِ مَا يُرِيدُ أَنْ يُقَامِرَ بِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: إِنَّمَا قَرَنَ الْقِمَارَ بِذِكْرِ الْأَصْنَامِ تَأَسِّيًا بِالتَّنْزِيلِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ} [المائدة: ٩٠] فَمَنْ حَلَفَ بِالْأَصْنَامِ فَقَدْ أَشْرَكَهَا بِاللَّهِ فِي التَّعْظِيمِ، فَوَجَبَ تَدَارُكُهَا بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، وَمَنْ دُعِيَ إِلَى الْمُقَامَرَةِ، فَوَافَقَ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ فِي تَصْدِيقِهِ بِالْمَيْسِرِ فَكَفَّارَتُهُ التَّصَدُّقُ بِقَدْرِ مَا جَعَلَهُ خَطَرًا، أَوْ بِمَا تَيَسَّرَ، فَكَفَّارَتُهُ التَّصَدُّقُ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّدَقَةِ، وَفِيهِ أَنَّ مَنْ دُعِيَ إِلَى اللَّعِبِ فَكَفَّارَتُهُ التَّصَدُّقُ، فَكَيْفَ بِمَنْ لَعِبَ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ، قَالَ الْقَاضِي: فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ. عَلَى أَنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ إِذَا اسْتَقَرَّ فِي الْقَلْبِ، أَوْ تُكُلِّمَ بِاللِّسَانِ يُكْتَبُ عَلَيْهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>