للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْإِنْسَانُ وَيَنْخَلِعُ مِنْ ثِيَابِهِ (صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ) : فِي النِّهَايَةِ أَيْ: أَخْرُجَ عَنْهُ جَمِيعِهِ وَأَتَصَدَّقَ بِهِ، وَأَعْرَى مِنْهُ كَمَا يَعْرَى الْإِنْسَانُ إِذَا خَلَعَ ثَوْبَهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا الِانْخِلَاعُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ فِي مَعْنَى النَّذْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ كَفَّارَةٌ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُظْهِرُ كَأَنَّهُ قَالَ: مَا أَنَا فِيهِ يَقْتَضِي خَلْعَ مَالِي صَدَقَةً مُكَفِّرَةً، وَإِمَّا شُكْرًا كَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ اسْتِصْحَابُ الصَّدَقَةِ شُكْرًا لِلنِّعَمِ الْمُتَجَدِّدَةِ، لَا سِيَّمَا مَا عَظُمَ مِنْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، وَمُرَارَةَ بْنَ الرَّبِيعِ، وَهِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خُرُوجِهِ إِلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ، ثُمَّ نَدِمُوا مِنْ سُوءِ صَنِيعِهِمْ ذَلِكَ، فَتَابُوا إِلَى اللَّهِ، فَقَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُمْ بَعْدَ أَيَّامٍ، وَأَنْزَلَ فِيهِمْ {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ} [التوبة: ١١٨] أَيْ: وَتَابَ بِمَعْنَى أَوْقَعَ قَبُولَ التَّوْبَةِ عَلَى {الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: ١١٨] أَيْ: تَخَلَّفُوا عَنِ الْغَزْوِ بِمَعْنَى خَلَّفَهُمُ الشَّيْطَانُ، أَوْ خَلَّفَ أَمْرَهُمْ، فَإِنَّهُمُ الْمُرْجَوْنَ، {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} [التوبة: ١١٨] أَيْ: بِرُحْبِهَا بِمَعْنَى مَعَ سَعَتِهَا، فَأَرَادَ كَعْبٌ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى لِقَبُولِ تَوْبَتِهِ، وَلَعَلَّ ذِكْرَهُ فِي بَابِ النَّذْرِ لِشَبَهِهِ النَّذْرَ فِي أَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِحُدُوثِ أَمْرٍ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَمْسِكْ بَعْضَ مَالِكَ ") : الظَّاهِرُ أَنَّهُ الثُّلُثَانِ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أَبِي لُبَابَةَ (" فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ") : قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنَّمَا أَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الصَّدَقَةِ بِبَعْضِهِ خَوْفًا مِنْ تَضَرُّرِهِ، وَأَنْ لَا يَتَصَبَّرَ عَلَى الْفَاقَةِ، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا صَدَقَةَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِجَمِيعِ مَالِهِ ; لِأَنَّهُ كَانَ صَابِرًا رَاضِيًا (قُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ) أَيْ: مِنَ الْعَقَارِ أَوْ غَيْرِهِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) أَيِ: الْمَذْكُورُ هُنَا (طَرَفٌ) أَيْ: بَعْضٌ (مِنْ حَدِيثٍ مُطَوَّلٍ) أَيْ: ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ كَالشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي كُتُبِهِمْ بِطُولِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمَصَابِيحِ، لِأَنَّهُ فِي الْجُمْلَةِ مُتَعَلِّقُ الْبَابِ، وَذُكِرَ مُطَوَّلًا فِي تَفْسِيرِهِ مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ بِإِسْنَادِهِ الْمُتَّصِلِ إِلَى الْبُخَارِيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>