الْفَصْلُ الثَّالِثُ
٣٤٤٤ - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " «النَّذْرُ نَذْرَانِ: فَمَنْ كَانَ نَذَرَ فِي طَاعَةٍ فَذَلِكَ لِلَّهِ فِيهِ الْوَفَاءُ، وَمَنْ كَانَ نَذَرَ فِي مَعْصِيَةٍ فَذَلِكَ لِلشَّيْطَانِ وَلَا فَاءَ فِيهِ. وَيُكَفِّرُهُ مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ» ". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
ــ
٣٤٤٤ - (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " النَّذْرُ ") : أَيْ جِنْسُهُ (" نَذْرَانِ ") : أَيْ نَوْعَانِ يَنْذِرُهُمَا شَخْصَانِ (" فَمَنْ كَانَ نَذْرُهُ فِي طَاعَةٍ ") : وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَشْمَلُ الْمُبَاحَ (" فَذَلِكَ ") : أَيْ نَذْرُهُ (" لِلَّهِ ") : أَيْ يُرْضِي اللَّهَ (" فِيهِ الْوَفَاءُ ") : أَيْ يَجِبُ فِي حَقِّهِ، وَفِي نَذْرِهِ الْوَفَاءُ بِهِ (" وَمَنْ كَانَ نَذْرُهُ فِي مَعْصِيَةٍ فَذَلِكَ لِلشَّيْطَانِ وَلَا وَفَاءَ فِيهِ ") أَيْ: لَا يَنْبَغِي الْوَفَاءُ فِيهِ، بَلْ يَجِبُ الْحِنْثُ وَأَدَاءُ الْكَفَّارَةِ (" وَيُكَفِّرُهُ ") : أَيِ النَّذْرَ (" مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ ". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: إِذَا حَلَفَ الْكَافِرُ ثُمَّ حَنِثَ فِي حَالِ الْكُفْرِ أَوْ بَعْدَ إِسْلَامِهِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِذَا نَذَرَ الْكَافِرُ مَا هُوَ قُرْبَةٌ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ صَوْمٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَنَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَا قَبْلَهُ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى: يَلْزَمُهُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَفِي رِوَايَةٍ يَوْمًا، فَقَالَ: " أَوْفِ بِنَذْرِكَ» ". وَفِي حَدِيثِ الْقَسَامَةِ مِنَ الصَّحِيحَيْنِ: " «تُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا» ". وَلَنَا قَوْلُهُ تَعَالَى جَلَّ جَلَالُهُ: {إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: ١٢] وَأَمَّا قَوْلُهُ بَعْدَهُ: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} [التوبة: ١٢] فَيَعْنِي صُوَرَ الْأَيْمَانِ الَّتِي أَظْهَرُوهَا، وَالْحَاصِلُ لُزُومُ تَأْوِيلٍ إِمَّا فِي لَا أَيْمَانَ لَهُمْ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَرَادَ لَا إِيفَاءَ لَهُمْ بِهَا أَوْ فِي نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا هُوَ صُوَرُ الْأَيْمَانِ دُونَ حَقِيقَتِهَا الشَّرْعِيَّةِ، وَتَرْجِيحُ التَّأْيِيدِ بِالْفِقْهِ، وَهُوَ إِنَّمَا نَعْلَمُ أَنَّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْيَمِينِ يَكُونُ أَهْلًا لِلْكَفَّارَةِ، وَلَيْسَ الْكَافِرُ أَهْلًا لَهَا لِأَنَّهَا لَمَّا شُرِعَتْ عِبَادَةٌ يُجْبَرُ بِهَا مَا ثَبَتَ مِنْ إِثْمِ الْحِنْثِ إِنْ كَانَ، أَوْ مَا وَقَعَ مِنْ إِخْلَافِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى إِقَامَةً لِوَاجِبِهِ، وَلَيْسَ الْكَافِرُ أَهْلًا لِفِعْلِ عِبَادَةٍ، وَإِمَّا تَحْلِيفُ الْقَاضِي، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " «تُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا» ". فَالْمُرَادُ كَمَا قُلْنَا صُوَرُ الْأَيْمَانِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا رَجَاءُ النُّكُولِ، وَالْكَافِرُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهِ شَرْعًا الْيَمِينُ الشَّرْعِيُّ الْمُسْتَعْقِبُ لِحُكْمِهِ، لَكِنَّهُ يَعْتَقِدُ فِي نَفْسِهِ تَعْظِيمَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُرْمَةَ الْيَمِينِ بِهِ كَاذِبًا فَيَمْتَنِعُ عَنْهُ، فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ ظُهُورِ الْحَقِّ فَشُرِعَ الْتِزَامُهُ بِصُورَتِهَا لِهَذِهِ الْفَائِدَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute