للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَقِيلَ: النَّفْيُ بِمَعْنَى النَّهْيِ يَعْنِي لَا يَتْرُكُهَا بَلْ يَأْتِي بِهَا، وَقِيلَ أَيْ: ثَلَاثٌ لَا يَغِلُّ قَلْبُ مُسْلِمٍ حَالَ كَوْنِهِ ثَابِتًا عَلَيْهِنَّ، يَعْنِي مَنْ تَمَسَّكَ بِهِنَّ طَهَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ مِنَ الْحِقْدِ وَالْخِيَانَةِ. وَنَقَلَ السَّيِّدُ عَنْ زَيْنِ الْعَرَبِ أَنَّهُ يُرْوَى أَيْضًا بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ، مِنَ الْوُغُولِ الدُّخُولِ فِي الشَّرِّ وَنَحْوِهِ، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَنَّ هَذِهِ الْخِلَالَ يَسْتَصْلِحُ بِهَا الْقُلُوبَ، فَمَنْ تَمَسَّكَ بِهَا طَهُرَ قَلْبُهُ مِنَ الْغِلِّ وَالشَّرِّ اهـ. ثُمَّ قَالَ السَّيِّدُ: وَهَذَا الْمَعْنَى مَذْكُورٌ فِي الْفَائِقِ اهـ.

وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فَتْحَ الْيَاءِ وَضَمَّ الْغَيْنِ وَتَشْدِيدَ اللَّامِ، مِنْ غَلَّ مِنَ الْمَغْنَمِ شَيْئًا غُلُولًا إِذَا أَخَذَهُ فِي خُفْيَةٍ فَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى الْخِيَانَةِ أَيْضًا (إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ) أَيْ: مِنْهَا أَوْ إِحْدَاهَا أَوِ الرَّبْطُ بَعْدَ الْعَطْفِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ ثَلَاثٍ، وَمَعْنَى الْإِخْلَاصِ أَنْ يُقْصَدَ بِالْعَمَلِ وَجْهُهُ وَرِضَاهُ فَقَطْ دُونَ غَرَضٍ آخَرَ دُنْيَوِيٍّ أَوْ أُخْرَوِيٍّ، كَنَعِيمِ الْجَنَّةِ وَلَذَّاتِهَا، أَوْ لَا يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ دُنْيَوِيٌّ مِنْ سُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ، وَالْأَوَّلُ إِخْلَاصُ الْخَاصَّةِ، وَالثَّانِي إِخْلَاصُ الْعَامَّةِ. وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: الْعَمَلُ لِغَيْرِ اللَّهِ شِرْكٌ وَتَرْكُ الْعَمَلِ لِغَيْرِ اللَّهِ رِيَاءٌ، وَالْإِخْلَاصُ أَنْ يُخَلِّصَهُ اللَّهُ مِنْهُمَا (وَالنَّصِيحَةُ) : وَهِيَ إِرَادَةُ الْخَيْرِ (لِلْمُسْلِمِينَ) أَيْ: كَافَّتِهِمْ (وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ) أَيْ: مُوَافَقَةُ الْمُسْلِمِينَ فِي الِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ) أَيْ: تَدُورُ (مِنْ وَرَائِهِمْ) : وَفِي نُسْخَةٍ " مَنْ " مَوْصُولَةٌ. وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ أَنَّهُ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ مَرْسُومٌ بِالْيَاءِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ دَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَحَاطَتْ بِهِمْ فَتَحْرُسُهُمْ عَنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ وَعَنِ الضَّلَالَةِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ جَمَاعَتِهِمْ لَمْ يَنَلْ بَرَكَتَهُمْ وَبَرَكَةَ دُعَائِهِمْ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَمَّا أَحَاطَتْ بِهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى تَفْضِيلِ الْخُلْطَةِ عَلَى الْعُزْلَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَكَلَامُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ يُرْشِدُ إِلَى أَنَّ الصَّوَابَ فَتْحُ " مَنْ " مَوْصُولًا مَفْعُولًا لِ " تُحِيطُ "، فَإِنَّهُ قَالَ: الدَّعْوَةُ الْمَرَّةُ مِنَ الدُّعَاءِ أَيْ: تَحْوِيهِمْ وَتُثَبِّتُهُمْ وَتَحْفَظُهُمْ، يُرِيدُ بِهِ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ اهـ.

وَالْأَظْهَرُ أَنَّ كَلَامَ النِّهَايَةِ حَاصِلُ الْمَعْنَى، ثُمَّ قَالَ الطِّيبِيُّ: وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: فَعَلَيْهِ لُزُومُ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ. قُلْتُ: هَذَا التَّقْدِيرُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِهِ يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ آخَرَ لِأَنَّ لُزُومَ الْجَمَاعَةِ خَصْلَةٌ مِنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ قَوْلِهِ: ثَلَاثٌ الْمُسْتَأْنَفُ وَمَا قَبْلَهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا حَرَّضَ سَامِعَ سُنَّتِهِ عَلَى أَدَائِهَا بَيَّنَ أَنَّ هُنَاكَ خِصَالًا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَنْطَوِيَ قَلْبُهُ عَلَيْهَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مُحَرِّضٌ لَهُ عَلَى ذَلِكَ التَّبْلِيغِ، وَجَوَّزَ كَوْنَ " ثَلَاثٌ " بَيَانًا لِلْمَقَالَةِ الَّتِي أَكَدَّ فِي تَبْلِيغِهَا، وَكَأَنَّ سَائِلًا قَالَ: مَا تِلْكَ الْمَقَالَةُ؟ فَقِيلَ: هِيَ ثَلَاثٌ جَامِعَةٌ لِتَعْظِيمِ أَمْرِ اللَّهِ وَالشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ. (رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ) : وَلَمْ يُعْلَمْ فِي أَيِّ كِتَابٍ (وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْخَاءِ كِتَابٌ لَهُ، يَعْنِي كِلَاهُمَا. عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>