للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَبْدَاهَا كُشِفَتْ عَنْهُ لِأَنَّهُ عَسَاءَ اعْتَرَتْهُ أَيْ عَرَضَتْ لَهُ شُبْهَةٌ فَتُزَاحُ عَنْهُ، وَدَفْعُ شَرِّهِ بِأَحْسَنِ الْأَمْرَيْنِ وَهُمَا الْقَتْلُ وَالْإِسْلَامُ، وَأَحْسَنُهُمَا الْإِسْلَامُ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَلَمَّا كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ وُجُوبَ الْعَرْضِ عَلَى مَا قَالَ إِلَّا أَنَّ الْعَرْضَ عَلَى مَا قَالُوا أَيِ الْمَشَايِخُ غَيْرُ وَاجِبٍ بَلْ مُسْتَحَبٌّ ; لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُ، وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ هُوَ الدَّعْوَةُ إِلَيْهِ وَدَعْوَةُ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ بَلْ مُسْتَحَبَّةٌ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَيُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ أَسْلَمَ فَبِهَا وَإِلَّا فَيُقْتَلُ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَهَذَا اللَّفْظُ أَيْضًا مِنَ الْقُدُورِيِّ يُوجِبُ وُجُوبَ الِانْتِظَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: الْمُرْتَدُّ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَبَى قُتِلَ أَيْ مَكَانَهُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ إِنْظَارَهُ الْأَيَّامَ الثَّلَاثَةَ لَيْسَ وَاجِبًا وَلَا مُسْتَحَبًّا وَإِنَّمَا تَعَيَّنَتِ الثَّلَاثَةُ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِبْرَاءِ الْعُذْرِ بِدَلِيلِ حَدِيثِ حَيَّانَ بْنِ مُنْقِدٍ فِي الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ضُرِبَتْ لِلتَّأَمُّلِ بِدَفْعِ الْفِتَنِ، وَقِصَّةُ مُوسَى مَعَ الْعَبْدِ الصَّالِحِ {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا} [الكهف: ٧٦] وَهِيَ الثَّالِثَةُ إِلَى قَوْلِهِ {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} [الكهف: ٧٦] وَعَنْ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ أَبِي مُوسَى فَقَالَ لَهُ: هَلْ مِنْ مُغْرِبَةِ خَبَرٍ، فَقَالَ: نَعَمْ، رَجُلٌ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ فَقَتَلْنَاهُ، فَقَالَ: هَلَّا حَبَسْتُمُوهُ فِي بَيْتٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَطْعَمْتُمُوهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ رَغِيفًا لَعَلَّهُ يَتُوبُ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أَحْضُرْ وَلَمْ آمُرْ وَلَمْ أَرْضَ. أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ لَكِنَّ ظَاهِرَ تُبَرِّئُ عُمَرَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ لَعَلَّهُ طَلَبَ التَّأْجِيلَ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَجِّلَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ طَلَبَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ، وَعَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إِذْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِإِنْظَارٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَهَذَا إِنْ أُرِيدَ بِهِ عَدَمُ وُجُوبِ الْإِنْظَارِ فَهُوَ مَذْهَبُنَا وَالِاسْتِدْلَالُ مُشْتَرَكٌ، وَمِنَ الْأَدِلَّةِ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] وَهَذَا كَافِرٌ حَرْبِيٌّ وَإِنْ كَانَ أُرِيدُ بِهِ نَفْيُ اسْتِحْبَابِ الْإِمْهَالِ فَنَقُولُ: هَذِهِ الْأَوَامِرُ مُطْلَقَةٌ وَهِيَ لَا تَقْتَضِي الْفَوْرَ فَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ عَلَى مَا عُرِفَ، وَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ قَتْلِ الْمُرْتَدِّينَ كَوْنُ الْمُرْتَدِّ حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَإِنْ كَانَ يَتَضَمَّنُ قَتْلُهُ إِبْطَالَ حَقِّ الْمَوْلَى بِالْإِجْمَاعِ وَإِطْلَاقَ الدَّلَائِلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَكَيْفِيَّةُ تَوْبَتِهِ أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا سِوَى دِينِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ لَا دِينَ لَهُ وَلَوْ تَبَرَّأَ عَمَّا انْتَقَلَ إِلَيْهِ كَفَاهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ مُسْتَحَبٌّ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: سُئِلَ أَبُو يُوسُفَ عَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يُسْلِمُ فَقَالَ: يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَيُقِرُّ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَتَبَرَّأُ عَنِ الدِّينِ الَّذِي انْتَحَلَهُ ثُمَّ لَوِ ارْتَدَّ بَعْدَ إِسْلَامِهِ ثَانِيًا قَبِلْنَا تَوْبَتَهُ أَيْضًا وَكَذَا ثَالِثًا وَرَابِعًا، إِلَّا أَنَّ الْكَرْخِيَّ قَالَ: فَإِنْ عَادَ بَعْدَ الثَّالِثَةِ يُقْتَلُ إِنْ لَمْ يَتُبْ فِي الْحَالِ، وَلَا يُؤَجَّلُ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُسْتَتَابُ أَبَدًا، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ فَرُوِيَ فِي النَّوَادِرِ وَذَلِكَ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: ٥] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ: لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ مَنْ كَرَّرَ رِدَّتَهُ كَالزِّنْدِيقِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَاللَّيْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} [النساء: ١٣٧] الْآيَةَ، قُلْنَا: رَتَّبَ عَدَمَ الْمَغْفِرَةِ عَلَى شَرْطِ قَوْلِهِ {ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} [آل عمران: ٩٠] وَفِي الدِّرَايَةِ قَالَ فِي الزِّنْدِيقِ: لَنَا رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَفِي رِوَايَةٍ تُقْبَلُ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَهَذَا فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ إِذَا صَدَقَ قَبِلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِلَا خِلَافٍ، وَأَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَلَا تُقْتَلُ وَلَكِنْ تُحْبَسُ أَبَدًا حَتَّى تُسْلِمَ أَوْ تَمُوتَ وَتُضْرَبُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا، وَاخْتَارَهُ قَاضِيخَانُ لِلْفَتْوَى، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» . وَهُوَ حَدِيثٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» . كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهَذَا مُطْلَقٌ يَعُمُّ الْكَافِرَ أَصْلِيًّا وَعَارِضِيًّا فَكَانَ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ مَا رَوَاهُ بَعْدُ أَنَّ عُمُومَهُ مَخْصُوصٌ بِمَنْ بَدَّلَ مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِسْلَامِ، نَعَمْ لَوْ كَانَتِ الْمُرْتَدَّةُ ذَاتَ رَأْيٍ وَتَبَعٍ تُقْتَلُ لَا لِرِدَّتِهَا بَلْ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَسْعَى فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا تُقْتَلُ النِّسَاءُ إِذَا هُنَّ ارْتَدَدْنَ عَنِ الْإِسْلَامِ وَلَكِنْ يُحْبَسْنَ وَيُدْعَيْنَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَيُجْبَرْنَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ مَرْوَانَ ارْتَدَّتْ عَنِ الْإِسْلَامِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ فَإِنْ رَجَعَتْ وَإِلَّا قُتِلَتْ» . فَضُعِّفَ بِمَعْمَرِ بْنِ بَكَّارٍ وَمُعَارِضٌ بِآخَرَ مِثْلِهِ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ «عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: أَيُّمَا رَجُلٍ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ فَادْعُهُ فَإِنْ تَابَ فَاقْبَلْ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ ارْتَدَّتْ عَنِ الْإِسْلَامِ فَادْعُهَا فَإِنْ تَابَتْ فَاقْبَلْ مِنْهَا وَإِنْ أَبَتْ فَاسْتَتِبْهَا» . وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الثَّوْرِيُّ يَعِيبُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ حَدِيثًا كَانَ يَرْوِيهِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ أَبِي حُذَيْفَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ، فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ النَّخَعِيِّ عَنْ عَاصِمٍ بِهِ فَزَالَ انْفِرَادُ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي ادَّعَاهُ الثَّوْرِيُّ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيٍّ: الْمُرْتَدَّةُ تُسْتَتَابُ وَلَا تُقْتَلُ. وَضُعِّفَ بِخِلَافٍ. وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الزِّنْدِيقِ وَهُوَ الَّذِي يُنْكِرَ الشَّرْعَ فَذَكَرُوا فِيهِ خَمْسَةَ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا، وَالْأَصْوَبُ مِنْهَا قَبُولُهَا مُطْلَقًا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَالثَّانِي لَا يُقْبَلُ وَيَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ لَكِنَّهُ إِنْ صَدَقَ فِي تَوْبَتِهِ نَفَعَهُ ذَلِكَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ فَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَالثَّالِثُ ارْتَابَ مَرَّةً وَاحِدَةً قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ فَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ، وَالرَّابِعُ إِنْ أَسْلَمَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ تَحْتَ السَّيْفِ فَلَا وَالْخَامِسُ إِنْ كَانَ دَاعِيًا إِلَى الضَّلَالِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَإِلَّا قُبِلَ مِنْهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>