لَا يَنْبَغِي) أَيْ لَا يَصِحُّ وَلَا يَجُوزُ (أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ) وَهَذَا يُرْشِدُكَ إِلَى فَائِدَةِ صُحْبَةِ الْمُرْشِدِ فَإِنَّهُ فِي سَاعَةٍ مِنْ غَيْبَتِهِ مَعَ بَرَكَةِ حُضُورِهِ وَقَعَ مِنَ الْأَصْحَابِ أَمْرَانِ عَلَى خِلَافِ الصَّوَابِ قَالَ الْقَاضِيَ: إِنَّمَا مَنَعَ التَّعْذِيبَ بِالنَّارِ لِأَنَّهُ أَشَدُّ الْعَذَابِ وَلِذَلِكَ أَوْعَدَ بِهَا الْكُفَّارَ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَعَلَّ الْمَنْعَ مِنَ التَّعْذِيبِ بِهَا فِي الدُّنْيَا أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ النَّارَ فِيهَا لِمَنَافِعِ النَّاسِ وَارْتِفَاقِهِمْ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُمْ أَنْ يَسْتَعْمِلُوهَا فِي الْإِضْرَارِ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا فِيهِ لِأَنَّهُ رَبُّهَا وَمَالِكُهَا يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ مِنَ التَّعْذِيبِ بِهَا وَالْمَنْعِ مِنْهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ رَبُّ النَّارِ وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى الِاسْتِعْمَالَيْنِ فِي قَوْلِهِ {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ} [الواقعة: ٧٣] أَيْ تَذْكِيرًا لِنَارِ جَهَنَّمَ لِتَكُونَ حَاضِرَةً لِلنَّاسِ يَذْكُرُونَ مَا أُوعِدُوا بِهِ وَعَلَّقْنَا بِهَا أَسْبَابَ الْمَعَايِشِ كُلَّهَا (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ» وَهُوَ بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ طَائِرٌ مَعْرُوفٌ ضَخْمُ الرَّأْسِ وَالْمِنْقَارِ لَهُ رِيشٌ عَظِيمٌ نِصْفُهُ أَسْوَدُ وَنِصْفُهُ أَبْيَضُ، وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ: «نَهَى عَنْ قَتْلِ الضُّفْدَعِ لِلدَّوَاءِ» وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «نَهَى عَنْ قَتْلِ الصُّرَدِ وَالضُّفْدَعِ وَالنَّمْلَةِ وَالْهُدْهُدِ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَمَّا نَهْيُهُ عَنْ قَتْلِ النَّحْلِ فَلِمَا فِيهَا مِنَ الْمَنْفَعَةِ وَأَمَّا الْهُدْهُدُ وَالصُّرَدُ فَإِنَّمَا نَهَى عَنْ قَتْلِهِمَا لِتَحْرِيمِ لَحْمِهِمَا وَذَلِكَ أَنَّ الْحَيَوَانَ إِذَا نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِحُرْمَتِهِ وَلَا لِضَرَرٍ فِيهِ كَانَ ذَلِكَ لِتَحْرِيمِ لَحْمِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute