للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٥٤٦ - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «مَنْ أَخَذَ أَرْضًا بِجِزْيَتِهَا فَقَدِ اسْتَقَالَ هِجْرَتَهُ وَمَنْ نَزَعَ صَغَارَ كَافِرٍ مِنْ عُنُقِهِ فَجَعَلَهُ فِي عُنُقِهِ فَقَدْ وَلَّى الْإِسْلَامَ ظَهْرَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

٣٥٤٦ - (وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَخَذَ أَرْضًا بِجِزْيَتِهَا) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ قَالَ الطِّيبِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِأَرْضٍ أَيْ مُلْتَبِسَةٍ بِجِزْيَتِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْفَاعِلِ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مُلْتَزِمًا بِجِزْيَتِهَا يَعْنِي بِخَرَاجِهَا لِأَنَّهُ لَازِمٌ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ لُزُومَ الْجِزْيَةِ لِلذِّمِّيِّ (فَقَدِ اسْتَقَالَ هِجْرَتَهُ) أَيْ نَقَضَ عِزَّتَهُ وَالْمَعْنَى مَنِ اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً لَزِمَهُ الْخَرَاجُ الَّذِي هُوَ جِزْيَةٌ عَلَى الذِّمِّيِّ فِي أَرْضِهِ فَكَأَنَّهُ خَرَجَ عَنِ الْهِجْرَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَدَارِهِ وَجَعَلَ صَغَارَ الْكُفْرِ فِي عُنُقِهِ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَقَامَ نَفْسَهُ مَقَامَ الذِّمِّيِّ فِي أَدَاءِ مَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْخَرَاجِ صَارَ كَالْمُسْتَقِيلِ أَيْ طَالِبِ الْإِقَالَةِ لِهِجْرَتِهِ (وَمَنْ نَزَعَ صَغَارَ كَافِرٍ) بِفَتْحِ الصَّادِ أَيْ ذُلَّهُ مِنْ عُنُقِهِ (فَجَعَلَهُ فِي عُنُقِهِ) بِأَنْ تَكَفَّلَ جِزْيَةَ كَافِرٍ وَتَحَمَّلَ عَنْهُ صَغَارَهُ (فَقَدْ وَلَّى الْإِسْلَامَ ظَهْرَهُ) أَيْ جَعَلَ الْإِسْلَامَ فِي جَانِبِ ظَهْرِهِ وَهَذَا كَالْمُبَيِّنِ لِمَا قَبْلَهُ أَيْ مَنْ تَكَفَّلَ بِجِزْيَةِ كَافِرٍ وَتَحَمَّلَ عَنْهُ ذُلَّهُ فَكَأَنَّهُ بَدَّلَ الْإِسْلَامَ بِالْكُفْرِ لِأَنَّهُ بَدَّلَ عِزَّهُ بِذُلِّهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى الْجِزْيَةِ هُنَا الْخَرَاجُ يَعْنِي الْمُسْلِمُ إِذَا اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً مِنَ الْكُفَّارِ فَإِنَّ الْخَرَاجَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْخَرَاجُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا جِزْيَةٌ وَالْآخَرُ بِمَعْنَى الْكِرَاءِ وَالْأُجْرَةِ فَإِذَا فُتِحَتِ الْأَرْضُ صُلْحًا عَلَى أَنَّ أَرْضَهَا لِأَهْلِهَا فَمَا وُضِعَ عَلَيْهَا مِنْ خَرَاجٍ فَمَجْرَاهُ الْجِزْيَةُ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْ رُءُوسِهِمْ، فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ سَقَطَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْخَرَاجِ، كَمَا يَسْقُطُ مَا عَلَى رَقَبَتِهِ مِنَ الْجِزْيَةِ، وَلَزِمَهُ الْعُشْرُ فِيمَا أَخْرَجَتْ أَرْضُهُ وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: أُرِيدَ بِالْجِزْيَةِ فِي الْحَدِيثِ الْخَرَاجُ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي تُرِكَتْ فِي يَدِ الذِّمِّيِّ فَيَأْخُذُ الْمُسْلِمُ عَنْهُ مُتَكَفِّلًا بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَتَسْمِيَتُهُ بِالْجِزْيَةِ لِأَنَّهُ يُجْرَى فِي الْمَوْضُوعِ عَلَى الْأَرَاضِي الْمَتْرُوكَةِ فِي أَيْدِي أَهْلِ الذِّمَّةِ مَجْرَاهَا فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْ رُءُوسِهِمْ، وَإِنَّمَا قَالَ فَقَدِ اسْتَقَالَ هِجْرَتُهُ ; لِأَنَّ الْمُهَاجِرَ لَهُ الْحَظُّ الْأَوْفَرُ وَالْقَدَحُ الْمُعَلَّى فِي مَالِ الْفَيْءِ يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَقَامَ نَفْسَهُ مَقَامَ الذِّمِّيِّ فِي أَدَاءِ مَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْخَرَاجِ فَقَدْ أَحَلَّ نَفْسَهُ فِي ذَلِكَ مَحَلَّ مَنْ عَلَيْهِ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ كَانَ لَهُ فَصَارَ كَالْمُسْتَقِيلِ عَنْ هِجْرَتِهِ بِبَخْسِ حَقِّ نَفْسِهِ. قَالَ الْقَاضِي: وَمَنْ تَكَفَّلَ جِزْيَةَ كَافِرٍ وَتَحَمَّلَ صَغَارَهُ فَكَأَنَّهُ وَلَّى الْإِسْلَامَ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ بَدَّلَ إِعْزَازَ الدِّينِ بِالْتِزَامِ ذُلِّ الْكُفْرِ وَتَحَمَّلَ صَغَارَهُ وَلِلْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ ضَمَانِ الْمُسْلِمِ عَنِ الذِّمِّيِّ بِالْجِزْيَةِ خِلَافٌ وَلِمَنْ مَنَعَ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ تُعُورِفَ وَاشْتُهِرَ أَنَّ ضَرْبَ الْجِزْيَةِ كِنَايَةٌ عَنِ الذُّلِّ وَالصَّغَارِ فَمَا بَالُ الْهِجْرَةِ كُنِّيَ بِهَا عَنِ الْعِزَّةِ قُلْتُ: لِأَنَّهَا مَبْدَأُ عِزَّةِ الْإِسْلَامِ وَمَنْشَأُ رِفْعَتِهِ حَيْثُ نَصَرَ اللَّهُ صَاحِبَهَا بِالْأَنْصَارِ وَأَعَزَّ الدِّينَ بِهِمْ وَفَلَّ شَوْكَةَ الْمُشْرِكِينَ وَقَطَعَ شَأْنَهُمْ وَاسْتَأْصَلَهَا (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>