بِنَسْخِهِ أَوْ بِتَخْصِصِهِ أَوْ تَقْيِيدِهِ أَوْ تَأْوِيلِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى قَدْحٍ فِي الدِّينِ (فَمَا عَلِمْتُمْ مِنْهُ) أَيْ: عِلْمًا مُوَافِقًا لِلْقَوَاعِدِ (فَقُولُوا) أَيْ: بِهِ (وَمَا جَهِلْتُمْ) أَيْ: مِنْهُ كَالْمُتَشَابِهَاتِ وَغَيْرِهَا (فَكِلُوهُ) أَيْ: رُدُّوهُ وَفَوِّضُوهُ (إِلَى عَالِمِهِ) : وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَلَا تُلْقُوا مَعْنَاهُ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِكُمْ، وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ آيَاتٍ ظَاهِرَةِ التَّنَافِي؟ فَأَجَابَ عَنْهَا، مِنْهَا: نَفْيُ الْمُسَاءَلَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِثْبَاتُهَا، فَنَفْيُهَا فِيمَا قَبْلَ النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِثْبَاتُهَا فِيمَا بَعْدَهَا. قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كِلْتَاهُمَا بَعْدَ النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ بِأَنْ يَكُونَ النَّفْيُ فِي أَوَائِلِ الْمَوَاقِفِ وَالْإِثْبَاتُ فِي أَوَاخِرِهَا. وَمِنْهَا: كِتْمَانُ الْمُشْرِكِينَ حَالَهُمْ وَإِفْشَاؤُهُ فَالْأَوَّلُ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَالثَّانِي بِأَيْدِيهِمْ وَجَوَارِحِهِمْ. قُلْتُ: وَلَا بُعْدَ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي بِأَلْسِنَتِهِمْ أَيْضًا، لَكِنْ لَا بِاخْتِيَارِهِمْ كَشَهَادَةِ أَيْدِيهِمْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ} [النور: ٢٤] وَمِنْهَا: خَلْقُ الْأَرْضِ قَبْلَ السَّمَاءِ وَعَكْسُهُ، وَجَوَابُ هَذَا: أَنَّهُ بَدَأَ خَلْقَ الْأَرْضِ فِي يَوْمَيْنِ غَيْرَ مَدْحُوَّةٍ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ، وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَغَيْرَهَا فِي يَوْمَيْنِ. فَتِلْكَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ لِلْأَرْضِ، وَقَدْ سَأَلَهُ يَهُودِيٌّ فَقَالَ: تَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا، فَكَيْفَ هُوَ الْيَوْمَ؟ وَأَجَابَ عَنْهُ: بِأَنَّ الْمَاضِيَ إِنَّمَا هُوَ التَّسْمِيَةُ لِأَنَّ التَّعَلُّقَ انْقَضَى، وَأَمَّا الِاتِّصَافُ فَهُوَ دَائِمٌ. قُلْتُ: وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ: مَا ثَبَتَ قَدَمُهُ اسْتَحَالَ عَدَمُهُ. وَأَجَابَ أَيْضًا: بِأَنْ كَانَ يُسْتَعْمَلُ بِهَا مُرَادُ الدَّوَامِ كَثِيرًا. وَسُئِلَ أَيْضًا عَنِ الْيَوْمِ الْمُقَدَّرِ بِأَلْفِ سَنَةٍ وَالْمُقَدَّرِ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، وَأَكْرَهُ أَنْ أَقُولَ مَا لَا أَعْلَمُ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: أَنَّ الْأَوَّلَ أَحَدُ الْأَيَّامِ السِّتَّةِ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا الْعَالَمَ، وَالثَّانِيَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: كُلٌّ مِنْهُمَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ بِاعْتِبَارِ قِصَرِهِ عَلَى الْمُؤْمِنَ الْعَاصِي وَطُولِهِ عَلَى الْكَافِرِ، وَأَمَّا الطَّائِعُ فَيَكُونُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ رَكْعَتَيْنِ كَمَا وَرَدَ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute