أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ لَا يُضْرَبَ بِهِ وَفِي طَرَفِهِ يُبْسٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجْرَحُ، أَوْ يُبَرِّحُ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ فِيهِ عُقْدَةٌ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَلَدَ بِسَوْطٍ لَهُ طَرَفَانِ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً، فَكَانَتِ الضَّرْبَةُ ضَرْبَتَيْنِ، وَفِي الْهِدَايَةِ، وَيَفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى أَعْضَائِهِ ; لِأَنَّ جَمْعَهُ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ قَدْ يُفْسِدُهُ، وَاسْتَثْنَى الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ وَالْفَرْجَ. وَذُكِرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِلَّذِي أَمَرَهُ بِضَرْبِ الْحَدِّ: اتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَلَمْ يَحْفَظِ الْمُخَرِّجُونَ مَرْفُوعًا بَلْ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ سَكْرَانَ أَوْ فِي حَدٍّ، فَقَالَ: اضْرِبْ، وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ، وَاتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ وَقَدْ أُتِيَ بِرَجُلٍ: اضْرِبْ، وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ. قَالَ: رُوِّينَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَالنَّخَعِيِّ اه وَلَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنَّفُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ» . وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُرَادًا عَلَى الْإِطْلَاقِ ; لِأَنَّا نَقْطَعُ أَنَّ فِي حَالِ قِيَامِ الْحَرْبِ مَعَ الْكُفَّارِ لَوْ تَوَجَّهَ لِأَحَدٍ ضَرَبَ وَجْهَ مَنْ يُبَارِزُهُ، وَهُوَ فِي مُقَابَلَتِهِ حَالَةَ الْحَمْلَةِ لَا يَكُفُّ عَنْهُ إِذْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَقْتُلُهُ فَلَيْسَ الْمُرَادُ إِلَّا مَنْ يَضْرِبُ صَبْرًا فِي حَدٍّ قَتْلًا، أَوْ غَيْرَ قَتْلٍ، وَمَا قِيلَ فِي الْمَنْظُومَةِ وَالْكَافِي أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَخُصُّ الظَّهْرَ لِاسْتِدْلَالِ الشَّارِحِينَ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» غَيْرُ ثَابِتٍ فِي كُتُبِهِمْ بَلِ الَّذِي فِيهَا كَقَوْلِنَا وَإِنَّمَا يَذْكُرُ رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ خَصَّ الظَّهْرَ وَمَا يَلِيهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالظَّهْرِ نَفْسَهُ أَيْ حَدٌّ عَلَيْكَ بِدَلِيلِ مَا ثَبَتَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ ثُمَّ خَصَّ مِنْهُ الْفَرَجَ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُضْرَبُ الرَّأْسُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً رَجَعَ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ أَوَّلًا يَقُولُ: لَا يُضْرَبُ لِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أُتِيَ بِرَجُلٍ انْتَفَى مِنْ أَبِيهِ فَقَالَ اضْرِبْ فِي رَأْسِهِ فَإِنَّ فِيهِ شَيْطَانًا. وَالْمَسْعُودِيُّ مُضَعَّفٌ وَلَكِنْ رَوَى الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: صُبَيْغٌ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ وَأَعَدَّ لَهُ عَرَاجِينَ النَّخْلِ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ صُبَيْغٌ. فَأَخَذَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عُرْجُونًا مِنْ تِلْكَ الْعَرَاجِينِ فَضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ. وَجَعَلَ يَضْرِبُهُ حَتَّى دَمِيَ رَأْسُهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَسَبُكَ، فَقَدْ ذَهَبَ الَّذِي كُنْتُ أَجِدُ فِي رَأْسِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute