كَانَ بِهِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ مُصَلَّى الْجَنَائِزِ فَيَتَّفِقَ الْحَدِيثَانِ وَأَمَّا فِي التِّرْمِذِيَّ مِنْ قَوْلِهِ: فَأَمَرَ بِهِ فِي الرَّابِعَةِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْحَرَّةِ فَرُجِمَ بِالْحِجَارَةِ فَإِنْ لَمْ يَتَأَوَّلْ عَلَى أَنَّهُ اتُّبِعَ حِينَ هَرَبَ حَتَّى أُخْرِجَ إِلَى الْحَرَّةِ وَإِلَّا فَهُوَ غَلَطٌ ; لِأَنَّ الصِّحَاحَ وَالْحِسَانَ مُتَظَافِرَةٌ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا صَارَ إِلَيْهَا هَارِبًا لَا أَنَّهُ ذَهَبَ بِهِ إِلَيْهَا ابْتِدَاءً لِيُرْجَمَ بِهَا (فَلَمَّا رُجِمَ فَوَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ) أَيْ أَلَمَ إِصَابَتِهَا (فَجَزِعَ) أَيْ فَلَمْ يَصْبِرْ (فَخَرَجَ أَيْ مِنْ مَكَانِهِ الَّذِي يُرْجَمُ فِيهِ (يَشْتَدُّ) أَيْ يَسْعَى وَيَجْرِي حَالٌ (فَلَقِيَهُ) أَيْ فَتَلَقَّاهُ (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ) بِالتَّصْغِيرِ (وَقَدْ عَجَزَ أَصْحَابُهُ) أَيْ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ أَصْحَابُ مَاعِزٍ الَّذِي يَرْجُمُونَهُ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ (فَنَزَعَ لَهُ بِوَظِيفِ بَعِيرٍ) وَالْوَظِيفُ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ مُسْتَدَقُّ الذِّرَاعِ وَالسَّاقِ مِنَ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَغَيْرِهِمَا وَفِي الْمُغْرِبِ وَظِيفُ الْبَعِيرِ مَا فَوْقَ الرُّسْغِ مِنَ السَّاقِ (فَرَمَاهُ بِهِ فَقَتَلَهُ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ جَاءَ ابْنُ أُنَيْسٍ (فَذَكَرَ ذَلِكَ) أَيْ جَزَعَهُ وَهَرَبَهُ (لَهُ قَالَ: هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ) جَمَعَ الْخِطَابَ لِيَشْمَلَهُ وَغَيْرَهُ (لَعَلَّهُ أَنْ يَتُوبَ) أَيْ يَرْجِعُ عَنْ إِقْرَارِهِ (فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ) أَيْ فَيَقْبَلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ، وَيُكَفِّرَ عَنْهُ سَيِّئَتَهُ مِنْ غَيْرِ رَجْمِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءَاتُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ لِمَا فِي قَوْلِهِ فَلَمَّا رُجِمَ إِلَى قَوْلِهِ: فَقَتَلَهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَصْلُحُ لِلْعَطْفِ إِمَّا عَلَى الشَّرْطِ أَوْ عَلَى الْجَزَاءِ إِلَّا قَوْلُهُ: فَوَجَدَ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ ; لِأَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى الْجَزَاءِ، وَقَوْلُهُ، فَقَالَ: هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ يَصْلُحُ لِلْجَزَاءِ وَفِي إِشْكَالٍ ; لِأَنَّ جَوَابَ لَمَّا لَا يَدْخُلُهُ الْفَاءُ عَلَى اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ الْجَزَاءُ، وَيُقَالَ: تَقْدِيرُهُ لَمَّا رُجِمَ فَكَانَ كَيْتَ فَكَيْتَ عَلِمْنَا حُكْمَ الرَّجْمِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْفَاءَاتُ كُلُّهَا لَا تَحْتَمِلُ إِلَّا الْعَطْفَ عَلَى الشَّرْطِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، وَقَالَ: فِيهِ فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ، فَرُجِمَ، فَلَمْ يُقْتَلْ حَتَّى رَمَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَلَحْيِ بِعِيرٍ، فَأَصَابَ رَأْسَهُ، فَقَتَلَهُ، وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: لَوْ لَمْ يَكُنِ الْأَرْبَعَةُ عَدَدًا مُعْتَبَرًا فِي اعْتِبَارِ إِفْرَادِهِ لَمْ يُؤَخَّرْ رَجْمُهُ إِلَى الثَّانِيَةِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَرْتِيبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُكْمَ عَلَيْهَا وَهُوَ مُشْعِرٌ بِعِلِّيَّتِهَا، وَكَذَا الصَّحَابَةُ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ هَزَّالٍ: إِنَّكَ قَدْ قُلْتَهَا أَرْبَعًا، فَبِمَنْ؟ وَهُوَ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَزَادَ فِيهِ قَالَ: هِشَامٌ فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ حِينَ رَآهُ: «وَاللَّهِ يَا هَزَّالُ لَوْ كُنْتَ سُتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ مِمَّا صَنَعْتَ بِهِ» . قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَإِسْنَادُهُ صَالِحٌ، وَيَزِيدُ بْنُ نُعَيْمٍ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَأَبُو نُعَيْمٍ ذَكَرَهُ فِي الثِّقَاتِ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ، وَقَدْ رَوَى تَرْتِيبَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْأَرْبَعِ جَمَاعَةٌ بِاللَّفْظِ مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْهَا مَا ذَكَرْنَا وَمِنْهَا مَا لُفِظَ لَأَبَى دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّكَ قَدْ شَهِدْتَ عَلَى نَفْسِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ أَبِي شَيْبَهَ: أَلَيْسَ أَنَّكَ قُلْتَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ؟ وَتَقَدَّمَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ بِحَضْرَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: إِنِ اعْتَرَفْتَ الرَّابِعَةَ رَجَمَكَ. إِلَّا أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ جَابِرًا الْجُعْفِيَّ وَكَوْنُهُ رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ رَدَّهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَمِنِ اخْتِصَارِ الرَّاوِي وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَقَرَّ أَرْبَعًا، فَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْعَسِيفِ: فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا مَعْنَاهُ الِاعْتِرَافُ الْمَعْرُوفُ فِي الزِّنَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا بَيْنَ الصَّحَابَةِ خُصُوصًا لِمَنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ خَاصَّةِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا كَوْنُ الْغَامِدِيَّةِ لَمْ تُقِرَّ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَمَمْنُوعٌ، بَلْ أَقَرَّتْ أَرْبَعًا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ الْغَامِدِيَّةَ وَمَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ لَوْ رَجَعَا بَعْدَ اعْتِرَافِهِمَا لَمْ يَطْلُبْهُمَا وَإِنَّمَا رَجَمَهُمَا بَعْدَ الرَّابِعَةِ» فَهَذَا نَصٌّ فِي إِقْرَارِهَا أَرْبَعًا غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ تَفَاصِيلُهَا وَالرُّوَاةُ كَثِيرًا مَا يَحْذِفُونَ بَعْضَ صُورَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى أَنَّهُ رَوَى الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ سُلَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ أَنَّهَا أَقَرَّتْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَهُوَ يَرُدُّهَا ثُمَّ قَالَ: اذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي الْحَدِيثَ. غَيْرَ أَنَّ فِيهِ مَجْهُولًا تَنْجَبِرُ جَهَالَتُهُ بِمَا يَشْهَدُ لَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ هَذَا وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي اسْتِفْسَارِ مَاعِزٍ أَنَّهُ رَجَمَهُ بَعْدَ الْخَامِسَةِ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ عِنْدَ آحَادِ الْإِقْرَارَيْنِ، فَإِنَّ مِنْهَا إِقْرَارَيْنِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَكَانَتْ خَمْسًا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute