الثَّمَرِ وَفِيهِ الْقَطْعُ لَكِنْ مَا فِي الْمُغْرِبِ مِنْ قَوْلِهِ: الْجَرِينُ الْمِرْبَدُ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَبْقَى فِيهِ الرُّطَبُ لِيَجِفَّ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ الرُّطَبُ فِي زَمَانٍ وَهُوَ أَوَّلُ وَضْعِهِ وَالْيَابِسُ هُوَ الْكَائِنُ فِي آخِرِ حَالِهِ فِيهِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ» . وَقَوْلِهِ: «لَا قَطْعَ فِي الطَّعَامِ» . أَمَّا الْأَوَّلُ فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ «أَنَّ غُلَامًا سَرَقَ وَدِيًّا مِنْ حَائِطٍ فَرُفِعَ إِلَى مَرْوَانَ، فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ، فَقَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ» . وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَفِي الْقَسَمِ الثَّانِي، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: هَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ وَاسِعًا اه. وَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَارَضَ الِانْقِطَاعُ وَالْوَصْلُ فَالْوَصْلُ أَوْلَى لِمَا عُرِفَ أَنَّهُ زِيَادَةٌ مِنَ الرَّاوِي الثِّقَةِ، وَقَدْ تَلَقَّتِ الْأُمَّةُ هَذَا الْحَدِيثَ بِالْقَبُولِ، وَقَدْ تَعَارَضَ فِي الرُّطَبِ الْمَوْضُوعِ فِي الْجَرِينِ وَفِي مِثْلِهِ مِنَ الْحُدُودِ يَجِبُ تَقْدِيمُ مَا يَمْنَعُ الْحَدَّ دَرْءًا لِلْحَدِّ، وَلِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ لَا يُضْمَنُ الْمَسْرُوقُ لِمِثْلَيْ قِيمَتِهِ وَإِنْ نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ فَعُلَمَاءُ الْأُمَّةِ عَلَى خِلَافِهِ لِأَنَّهُ لَا يَبْلُغُ قُوَّةَ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] فَلَا يَصِحُّ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ذَلِكَ فَفِيهِ دَلَالَةُ الضَّعْفِ أَوِ النَّسْخِ فَيَنْفَرِدُ هَذَا الْحَدِيثُ فَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: يَتَقَيَّدُ حَدِيثُ الثَّمَرِ وَالْكَثَرِ بِهَذَا التَّفْصِيلِ يَعْنِي تَفْصِيلَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ أَنْ يَأْكُلَهُ مِنْ أَعْلَى النَّخْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَوْ يُخْرِجَهُ فَفِيهِ ضِعْفُ قِيمَتِهِ وَجَلَدَاتٌ وَنَكَالٌ أَوْ يَأْخُذَ مِنْ بَيْدَرِهِ فَيُقْطَعَ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنِّي لَا أَقْطَعُ فِي الطَّعَامِ» . وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَلَمْ يُعِلَّهُ بِغَيْرِ الْإِرْسَالِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ عِنْدَنَا فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِمُوجِبِهِ، فَحِينَئِذٍ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ، وَلَمَّا كَانَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْحِنْطَةِ وَالسُّكَّرِ لَزِمَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا يَتَصَارَعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ كَالْمُهَيَّأِ لِلْأَكْلِ مِنْهُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَاللَّحْمِ وَالثِّمَارِ الرَّطْبَةِ مُطْلَقًا فِي الْجَرِينِ وَغَيْرِهِ، هَذَا وَالْقَطْعُ فِي الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا إِجْمَاعًا إِنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ سَنَةِ الْقَحْطِ أَمَّا فِيهَا فَلَا سَوَاءَ مِمَّا كَانَ يَتَسَارَعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ أَوَّلًا لِأَنَّهُ عَنْ ضَرُورَةٍ ظَاهِرًا وَهَى تُبِيحُ التَّنَاوُلَ وَعَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا قَطْعَ فِي مَجَاعَةِ مُضْطَرٍّ» . وَعَنْ عُمَرَ لَا قَطْعَ فِي عَامِ سَنَةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute