وَهَذَا كُلُّهُ قَدْ ثَبَتَ ثُبُوتًا لَا مَرَدَّ لَهُ فَبَعِيدٌ أَنْ يَقَعَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ هَذِهِ الْحَادِثَةِ الَّتِي غَالِبًا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا مِثْلُ سَارِقٍ يَقْطَعُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَتَهُ ثُمَّ يَقْتُلُهُ أَوِ الصَّحَابَةُ يَجْتَمِعُونَ عَلَى قَتْلِهِ وَلَا خَبَرَ بِذَلِكَ عِنْدَ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُمَرَ مِنَ الْأَصْحَابِ الْمُلَازِمِينَ بَلْ أَقَلُّ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ كَانَ يَنْقُلُ لَهُمْ إِنْ غَابُوا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ وَبِذَلِكَ تَقْضِي الْعَادَةُ فَامْتِنَاعُ عَلِيٍّ بَعْدَ ذَلِكَ إِمَّا لِضَعْفِ الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْإِتْيَانِ عَلَى أَرْبَعَتِهِ وَإِمَّا لِعِلْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ حَدًّا مُسْتَمِرًّا بَلْ مَنْ رَأَى الْإِمَامُ قَتْلَهُ لِمَا شَاهَدَ فِيهِ مِنَ السَّعْيِ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ وَبَعْضِ الطِّبَاعِ عَنِ الرُّجُوعِ فَلَهُ قَتْلُهُ سِيَاسَةً فَيَفْعَلُ ذَلِكَ الْقَتْلَ الْمَعْنَوِيَّ، قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَبِهَذَا حَاجَّ عَلِيٌّ بَقِيَّةَ الصَّحَابَةِ، فَحَجَّهُمْ، فَانْعَقَدَ إِجْمَاعًا يُشِيرُ إِلَى مَا فِي تَنْقِيحِ ابْنِ عَبْدِ الْهَادِي قَالَ: سَعْدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَضَرْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُتِيَ بِرَجُلٍ مَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدْ سَرَقَ قَالَ لِصَاحِبِهِ: مَا تَرَوْنَ فِي هَذَا؟ قَالُوا: اقْطَعْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: قَتَلْتُهُ إِذًا وَمَا عَلَيْهِ الْقَتْلُ بِأَيِّ شَيْءٍ يَأْكُلُ الطَّعَامَ بِأَيِّ شَيْءٍ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ بِأَيِّ شَيْءٍ يَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَتِهِ بِأَيِّ شَيْءٍ يَقُومُ عَلَى حَاجَتِهِ فَرَدَّهُ إِلَى السِّجْنِ أَيَّامًا ثُمَّ اسْتَخْرَجَهُ فَاسْتَشْارَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا مِثْلَ قَوْلِهِمُ الْأَوَّلِ، وَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَجَلَدَهُ جَلْدًا شَدِيدًا ثُمَّ أَرْسَلَهُ. وَقَالَ سَعِيدٌ أَيْضًا ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِأَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدْ سَرَقَ قَالَ: أَنْقَطَعُ يَدَهُ فَنَدَعُهُ لَيْسَ لَهُ يَدٌ يَأْكُلُ بِهَا أَوْ نَقْطَعُ رِجْلَهُ فَنَدَعُهُ لَيْسَ لَهُ قَاعِدَةٌ يَمْشِي عَلَيْهَا، إِمَّا أَنْ نُعَزِّرَهُ وَإِمَّا أَنْ نُودِعَهُ السِّجْنَ فَاسْتَوْدَعَهُ السِّجْنَ. وَهَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ لَا يُقَالُ: الْيَدُ الْيُسْرَى مَحَلٌّ لِلْقَطْعِ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا وَجَبَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ مِنْهُ عَلَى الْمُقَيِّدِ عَمَلًا بِالْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ خَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا مُرَادَهُ وَبَقِيَتِ الْيُمْنَى مُرَادَهُ وَالْأَمْرُ الْمَقْرُونُ بِالْوَصْفِ وَإِنْ تَكَرَّرَ بِتَكْرَارِ الْوَصْفِ لَكِنْ إِنَّمَا يَكُونُ حَيْثُ أَمْكَنَ وَإِذَا انْتَقَى إِرَادَةُ الْيُسْرَى بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّقْيِيدِ انْتَفَى مَحَلِّيَّتُهَا لِلْقَطْعِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَكْرَارُهُ فَيَلْزَمُ مَعْنَى الْآيَةِ السَّارِقَ وَالسَّارِقَةَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا وَثَبَتَ قَطْعُ الرِّجْلِ فِي الثَّانِيَةِ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَانْتَفَى مَا وَرَاءَ ذَلِكَ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى الْعَدَمِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute