الْفَصْلُ الثَّانِي
٣٦١١ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدَ ضَادَّ اللَّهَ، وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ لَمْ يَزَلْ فِي سُخْطِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَنْزِعَ، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ: «مَنْ أَعَانَ خُصُومَةً لَا يَدْرِي أَحَقٌّ أَمْ بَاطِلٌ فَهُوَ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ» .
ــ
٣٦١١ - (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ حَالَتْ) مِنَ الْحَيْلُولَةِ أَيْ حَجَبَتْ (شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ) أَيْ عِنْدَهُ وَالْمَعْنَى مَنْ مَنَعَ بِشَفَاعَتِهِ حَدًّا (مِنْ حُدُودِ اللَّهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ قُدَّامَ حَدٍّ فَيَحْجِزُ عَنِ الْحَدِّ بَعْدَ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ بِأَنْ بَلَغَ الْإِمَامَ (فَقَدَ ضَادَّ اللَّهَ) أَيْ خَالَفَ أَمْرَهُ ; لِأَنَّ أَمْرَهُ إِقَامَةُ الْحُدُودِ قَالَ الطِّيبِيُّ: وَإِنَّمَا قَالَ: فَقَدَ ضَادَّ اللَّهَ ; لِأَنَّ حُدُودَ اللَّهِ حِمَاهُ وَمَنِ اسْتَبَاحَ حِمَى اللَّهِ تَعَدَّى طَوْرَهُ وَمَنْ نَازَعَ اللَّهَ تَعَالَى فِيمَا حَمَا فَقَدَ ضَادَّ اللَّهَ (وَمَنْ خَاصَمَ) أَيْ جَادَلَ أَحَدًا (فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ) أَيْ يَعْلَمُ أَنَّهُ بَاطِلٌ أَوْ يَعْلَمُ نَفْسَهُ أَنَّهُ عَلَى بَاطِلٍ أَوْ يَعْلَمُ أَنَّ خَصْمَهُ عَلَى حَقٍّ أَوْ يَعْلَمُ الْبَاطِلَ أَيْ ضِدَّهُ الَّذِي هُوَ الْحَقُّ وَيُصِرُّ عَلَيْهِ (لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَنْزِعَ) أَيْ يَتْرُكَ وَيَنْتَهِيَ عَنْ مُخَاصَمَتِهِ يُقَالُ: نَزَعَ عَنِ الْأَمْرِ نُزُوعًا إِذَا انْتَهَى عَنْهُ (وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ) أَيْ مِنَ الْمَسَاوِئِ (أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ) بِسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَيُفْتَحُ وَالْخَبَالُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الرَّدْغَةُ بِسُكُونِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يَرَوْنَهُ بِالسُّكُونِ لَا غَيْرُ، وَفِي النِّهَايَةِ جَاءَ تَفْسِيرُهَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ وَالرَّدْغَةُ بِسُكُونِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا طِينٌ وَوَحْلٌ كَثِيرٌ وَالْخَبَالُ فِي الْأَصْلِ الْفَسَادُ وَيَكُونُ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَبْدَانِ وَالْعُقُولِ اه. قِيلَ: سُمِّيَ بِهِ الصَّدِيدُ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْمَوَادِّ الْفَاسِدَةِ وَقِيلَ: الْخَبَالُ مَوْضِعٌ فِي جَهَنَّمَ مِثْلُ الْحِيَاضِ يَجْتَمِعُ فِيهِ صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ وَعُصَارَتُهُمْ (حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ) أَيْ مِنْ عُهْدَتِهِ بِاسْتِيفَاءِ عُقُوبَتِهِ أَوْ بِاسْتِدْرَاكِ شَفَاعَتِهِ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ مَغْفِرَتِهِ قَالَ الْقَاضِي: وَخُرُوجُهُ مِمَّا قَالَ أَنْ يَتُوبَ عَنْهُ وَيَسْتَحِلَّ مِنَ الْمَقُولِ فِيهِ، وَقَالَ الْأَشْرَفُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ إِثْمِ مَا قَالَ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ إِثْمِهِ أَيْ إِذَا اسْتَوْفَى عُقُوبَةَ إِثْمِهِ لَمْ يُسْكِنْهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ بَلْ يُنْجِيهِ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ، وَيَتْرُكُهُ قَالَ الطِّيبِيُّ: حَتَّى عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقَاضِي غَايَةُ فِعْلِ الْمُغْتَابِ فَيَكُونُ فِي الدُّنْيَا فَيَجِبُ التَّأْوِيلُ فِي قَوْلِهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ بِسُخْطِهِ وَغَضَبِهِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ فِي إِسْكَانِهِ رَدْغَةَ الْخَبَالِ وَيُؤَيِّدُهُ الْقَرِينَةُ السَّابِقَةُ وَاللَّاحِقَةُ ; لِأَنَّ النَّزْعَ فِي الْقَرِينَةِ الْأُولَى مُفَسَّرٌ بِتَرْكِ الْخُصُومَةِ الْبَاطِلَةِ وَعَلَى هَذَا فِي الثَّالِثَةِ وَالْحَيْلُولَةُ بِالشَّفَاعَةِ أَعْظَمُهَا ; لِأَنَّهُ مُضَادَّةُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا النَّزْعَ قُلْتُ: لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ لَيْسَتْ مُسْتَمِرَّةً فِي الْعَادَةِ بِخِلَافِ الْبَقِيَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ تَقْيِيدُهُ بِحَدٍّ قَالَ: ثُمَّ الِاغْتِيَابُ بِوَضْعِ الْمُسَبَّبِ مَوْضِعَ السَّبَبِ تَصْوِيرٌ لِتَهْجِينِ أَمْرِ الْمُغْتَابِ وَكَأَنَّهُ فِيهَا الْآنَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ اه وَفِيهِ أَنَّ الْغَيْبَةَ أَنْ تَذْكُرَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُهُ وَهُوَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ بُهْتَانٌ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ لَا يَكُونُ مُغْتَابًا بَلْ يَكُونُ آتِيًا بِالْبُهْتَانِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ) وَفِي نُسْخَةٍ بِالْإِضَافَةِ (فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ مَنْ أَعَانَ) أَيْ تَعَصُّبًا أَوْ عَبَثًا (عَلَى خُصُومَةٍ لَا يَدْرِي أَحَقٌّ) أَيْ هِيَ (أَمْ بَاطِلٌ فَهُوَ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute