شَرْحُ السُّنَّةِ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَبِقَوْلِنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْحُرِّ وَقَالَ: فِي الْعَبْدِ تِسْعَةَ عَشَرَ ; لِأَنَّ حَدَّ الْعَبْدِ عِنْدَهُ عِشْرُونَ وَفِي الْأَحْرَارِ أَرْبَعُونَ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ فَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّعْزِيرِ فِي الْحَدِّ إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ مُجَانِبًا لِهَوَى النَّفْسِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ مَعْنَ بْنَ زَائِدَةَ عَمِلَ خَاتَمًا عَلَى نَقْشِ خَاتَمِ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ جَاءَ بِهِ لِصَاحِبِ بَيْتِ الْمَالِ فَأَخَذَ مِنْهُ مَالًا فَبَلَغَ عُمَرَ ذَلِكَ فَضَرْبَهُ مِائَةً وَحَبَسَهُ فَكُلِّمَ فِيهِ، فَضَرَبَهُ مِائَةً أُخْرَى فَكُلِّمَ فِيهِ مِنْ بَعْدُ، فَضَرَبَهُ مِائَةً، فَنَفَاهُ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ عَلِيًّا أُتِيَ بِالنَّجَاشِيِّ الشَّاعِرِ قَدْ شَرِبَ خَمْرًا فِي رَمَضَانَ فَضَرَبَهُ ثَمَانِينَ لِلشُّرْبِ وَعِشْرِينَ سَوْطًا لِفِطْرِهِ فِي رَمَضَانَ. وَلَنَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَلِأَنَّ الْعُقُوبَةَ عَلَى قَدْرِ الْجِنَايَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ بِمَا هُوَ أَهْوَنُ مِنَ الزِّنَا فَوْقَ مَا فُرِضَ بِالزِّنَا وَحَدِيثُ مَعْنٍ يَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُ ذُنُوبًا كَثِيرَةً أَوْ كَانَ ذَنْبُهُ يَشْمَلُ كَثِيرًا مِنْهَا كَتَزْوِيرِهِ وَأَخْذِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِغَيْرِ حَقِّهِ وَفَتْحِهِ بَابَ هَذِهِ الْحِيلَةِ لِغَيْرِهِ مِمَّا كَانَتْ نَفْسُهُ عَارِيَةً عَنِ اسْتِشْرَافِهَا، وَحَدِيثُ النَّجَاشِيِّ ظَاهِرٌ أَنْ لَا احْتِجَاجَ فِيهِ فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ ضَرَبَهُ الْعِشْرِينَ فَوْقَ الثَّمَانِينَ لِفِطْرِهِ فِي رَمَضَانَ وَقَدْ نَصَّتْ عَلَى أَنَّهُ لِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى الْقَائِلَةُ أَنَّ عَلِيًّا أُتِيَ بِالنَّجَاشِيِّ الشَّاعِرِ وَقَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي رَمَضَانَ فَضَرَبَهُ ثَمَانِينَ ثُمَّ ضَرَبَهُ مِنَ الْغَدِ عِشْرِينَ وَقَالَ: ضَرَبْنَاكَ الْعِشْرِينَ بِجَرَاءَتِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِفْطَارِكَ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِي التَّعْزِيرِ عَلَى الْحَدِّ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَعَنْ أَحْمَدَ لَا يُزَادُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ وَعَلَيْهِ حَمَلَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ لِمَا اشْتُهِرَ عَنْ قَوْلِهِ إِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» ، وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ وَبَعْضُ الثِّقَاتِ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِدَلِيلِ عَمَلِ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِهِ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارِ أَحَدٍ وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى أَنْ لَا تَبْلُغَ بِنَكَالٍ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَوْطًا. وَرُوِيَ ثَلَاثِينَ إِلَى أَرْبَعِينَ وَبِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَقْدِيرِ أَكْثَرِهِ بِتِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ يُعْرَفُ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّعْزِيرِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ بَلْ مُفَوَّضٌ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ أَيْ مِنْ أَنْوَاعِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِالضَّرْبِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَمَّا إِنِ اقْتَضَى رَأْيُهُ الضَّرْبَ فِي خُصُوصِ الْوَاقِعَةِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَزِيدُ عَلَى التِّسْعَةِ وَالثَّلَاثِينَ قَالَ: وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute