٣٧١٨ - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ السُّلْطَانَ ظِلُّ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، يَأْوِي إِلَيْهِ كُلُّ مَظْلُومٍ مِنْ عِبَادِهِ، فَإِذَا عَدَلَ ; كَانَ لَهُ الْأَجْرُ وَعَلَى الرَّعِيَّةِ الشُّكْرُ، وَإِذَا جَارَ كَانَ عَلَيْهِ الْإِصْرُ وَعَلَى الرَّعِيَّةِ الصَّبْرُ» .
ــ
٣٧١٨ - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ السُّلْطَانَ ظِلُّ اللَّهِ» ) وَفِي رِوَايَةٍ ظِلُّ الرَّحْمَنِ (فِي الْأَرْضِ) ; لِأَنَّهُ يَدْفَعُ الْأَذَى عَنِ النَّاسِ كَمَا يَدْفَعُ الظِّلُّ أَذَى حَرِّ الشَّمْسِ، وَقَدْ يُكَنَّى بِالظِّلِّ عَنِ الْكَنَفِ وَالْحِمَايَةِ ; كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: ظِلُّ اللَّهِ تَشْبِيهٌ وَقَوْلُهُ ( «يَأْوِي إِلَيْهِ كُلُّ مَظْلُومٍ مِنْ عِبَادِهِ» ) جُمْلَةٌ مُبِيِّنَةٌ، كَمَا شُبِّهَ بِهِ السُّلْطَانُ بِالظِّلِّ ; أَيْ لِمَا أَنَّ النَّاسَ يَسْتَرْوِحُونَ إِلَى بَرْدِ الظِّلِّ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ ; كَذَلِكَ يَسْتَرْوِحُونَ إِلَى بَرْدِ عَدْلِهِ مِنْ حَرِّ الظُّلْمِ، وَإِضَافَتُهُ إِلَى اللَّهِ تَشْرِيفًا لَهُ كَبَيْتِ اللَّهِ، وَنَاقَةِ اللَّهِ، وَإِيذَانًا بِأَنَّهُ ظِلٌّ لَيْسَ كَسَائِرِ الظِّلَالِ ; بَلْ لَهُ شَأْنٌ وَمَزِيدُ اخْتِصَاصٍ بِاللَّهِ، لَمَّا جُعِلَ خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ يَنْشُرُ عَدْلَهُ وَإِحْسَانَهُ فِي عِبَادِهِ، وَلَمَّا كَانَ فِي الدُّنْيَا ظِلَّ اللَّهِ، يَأْوِي إِلَيْهِ كُلُّ مَلْهُوفٍ يَأْوِي هُوَ فِي الْآخِرَةِ إِلَى ظِلِّ عَرْشِهِ ; يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ ( «فَإِذَا عَدَلَ كَانَ لَهُ الْأَجْرُ وَعَلَى الرَّعِيَّةِ الشُّكْرُ وَإِذَا جَارَ» " وَفِي رِوَايَةٍ، أَوْ حَافَ، أَوْ ظَلَمَ (كَانَ عَلَيْهِ الْإِصْرُ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ ; أَيِ الْوِزْرُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ (وَعَلَى الرَّعِيَّةِ الصَّبْرُ) ; فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِمَامَ الْعَادِلَ نِعْمَةٌ وَمِنْحَةٌ، وَالسُّلْطَانُ الظَّالِمُ نِقْمَةٌ وَمِحْنَهٌ {وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} [البقرة: ٤٩] وَ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [لقمان: ٣١] ; أَيْ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ، إِذْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ " «الْإِيمَانُ نِصْفَانِ: نِصْفٌ صَبْرٌ، وَنِصْفٌ شُكْرٌ» " وَفَّقَنَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ دَلَّتِ الْإِضَافَةُ وَقَوْلُهُ: يَأْوِي إِلَيْهِ كُلُّ مَظْلُومٍ ; أَنَّ السُّلْطَانَ عَادِلٌ ; فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَقُولَ: وَإِذَا جَارَ كَانَ عَلَيْهِ الْإِصْرُ؟ قُلْتُ: قَوْلُةُ: السُّلْطَانُ ظِلُّ اللَّهِ، بَيَانٌ لِشَأْنِهِ، وَأَنَّهُ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، فَإِذَا جَارَ كَأَنَّهُ خَرَجَ عَمَّا مَنْ شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ ظِلَّ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَيْهِ {يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى} [ص: ٢٦] فَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ بِالْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ، وَنَهَى عَمَّا لَا يُنَاسِبُ، أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ السُّلْطَانَ ظِلُّ اللَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالتَّقْسِيمُ إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ الْأَغْلَبِ عَلَيْهِ ; مِنَ الْعَدْلِ، أَوِ الْجَوْرِ، أَوْ بِخُصُوصِ قَضِيَّةٍ جُزْئِيَّةٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ ; فَيَجِبُ الصَّبْرُ وَالشُّكْرُ عَلَى الرَّعِيَّةِ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْحِكْمَةِ الْعَلِيَّةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَبَقَ مِنْ حَدِيثِ: " «سَيَلِيكُمْ أُمَرَاءُ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَمَا يُصْلِحُ اللَّهُ بِهِمْ أَكْثَرُ، فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ فَلَهُمُ الْأَجْرُ وَعَلَيْكُمُ الشُّكْرُ وَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَعَلَيْهِمُ الْوِزْرُ وَعَلَيْكُمُ الصَّبْرُ» "، ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ السُّلْطَانَ حِينَ ظُلْمِهِ إِنَّمَا يَكُونُ ظِلَّ الشَّيْطَانِ ; لَكِنَّهُ بِإِرَادَةِ الرَّحْمَنِ، فَالرِّضَا بِالْقَضَاءِ بَابُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: السُّلْطَانُ الْعَادِلُ الْمُتَوَاضِعُ ظِلُّ اللَّهِ وَرُوحُهُ فِي الْأَرْضِ، يَرْفَعُ لَهُ عَمَلَ سَبْعِينَ صِدِّيقًا، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ: السُّلْطَانُ ظِلُّ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ غَشَّهُ ضَلَّ وَمَنْ نَصَحَهُ اهْتَدَى، وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ عَنْ أَنَسٍ: " السُّلْطَانُ ظِلُّ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ فَإِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ بَلَدًا لَيْسَ فِيهِ سُلْطَانٌ فَلَا يُقِيمَنَّ بِهَا "، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: السُّلْطَانُ ظِلُّ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ يَأْوِي إِلَيْهِ الضَّعِيفُ وَبِهِ يَنْتَصِرُ الْمَظْلُومُ وَمَنْ أَكْرَمَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute