للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٣٧٢١ - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالِي يَقُولُ: أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا مَالِكُ الْمُلُوكِ، وَمَلِكُ الْمُلُوكِ، قُلُوبُ الْمُلُوكِ فِي يَدِي، وَإِنَّ الْعِبَادَ إِذَا أَطَاعُونِي ; حَوَّلْتُ قُلُوبَ مُلُوكِهِمْ عَلَيْهِمْ بِالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ، وَإِنَّ الْعِبَادَ إِذَا عَصَوْنِي حَوَّلْتُ قُلُوبَهُمْ بِالسُّخْطَةِ وَالنِّقْمَةِ فَسَامُوهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ فَلَا تَشْغَلُوا أَنْفُسَكُمْ بِالدُّعَاءِ عَلَى الْمُلُوكِ وَلَكِنِ اشْغَلُوا أَنْفُسَكُمْ بِالذِّكْرِ وَالتَّضَرُّعِ كَيْ أَكْفِيَكُمْ مُلُوكَكُمْ» . رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ.

ــ

٣٧٢١ - (وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ) ; أَيْ فِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ (أَنَا اللَّهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ: عَلَى أُسْلُوبِ أَنَا أَبُو النَّجْمِ ; أَيْ أَنَا الْمَعْرُوفُ وَالْمَشْهُورُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، أَوِ الْمَعْبُودُ، وَقَوْلُهُ: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا) حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ لِمَضْمُونِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَقَوْلُهُ: ( «مَالِكُ الْمُلُوكِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ» ) مِنْ بَابِ التَّدَلِّي لِإِفَادَةِ التَّعْمِيمِ، أَوِ الثَّانِي مِنْ بَابِ التَّكْمِيلِ وَالتَّتْمِيمِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمَلِكُ الْمُلُوكِ بَعْدَ قَوْلِهِ: مَالِكُ الْمُلُوكِ مِنْ بَابِ التَّرَقِّي فَإِنَّ الْمَلِكَ أَعْظَمُ مِنَ الْمَالِكِ ; وَأَقْوَى تَصَرُّفًا مِنْهُ ; لِأَنَّ الْمَالِكَ ; هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ، وَالْمَلِكُ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي الْمَأْمُورِينَ، وَقِيلَ الْمَالِكُ أَجْمَعُ وَأَوْسَعُ ; لِأَنَّهُ يُقَالُ: مَالِكُ الطَّيْرِ وَالدَّوَابِّ وَالْوُحُوشِ وَكُلِّ شَيْءٍ، وَلَا يُقَالُ: إِلَّا مَلِكُ النَّاسِ اهـ. وَفِيهِ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي حَدِّ ذَاتِهِمَا كَمَا حَقَّقَ فِي {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: ٤] بِاعْتِبَارِ قِرَاءَتِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَشُكُّ عَاقِلٌ أَنَّ مَالِكَ الْمُلُوكِ أَبْلَغُ مِنْ مَلِكِ الْمُلُوكِ وَلِهَذَا قَدْ يُطْلَقُ الثَّانِي عَلَى الْمَخْلُوقِ، وَلَا يَصِحُّ إِطْلَاقُ الْأَوَّلِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَحَاصِلُ الْمَعْنَى ; أَنَّهُ تَعَالَى يَمْلِكُ جِنْسَ الْمُلُوكِ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِمْ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فِيمَا يَمْلِكُونَ، وَهُوَ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} [آل عمران: ٢٦] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ: ( «قُلُوبُ الْمُلُوكِ فِي يَدِي» ) اسْتِئْنَافٌ عَلَى سَبِيلِ الْبَيَانِ يَدُلُّ عَلَى التَّصَرُّفِ التَّامِّ فِيهِ، وَقَوْلُهُ: (وَإِنَّ الْعِبَادَ) الْوَاوُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْفَاءِ التَّفْصِيلِيَّةِ، وَقَدْ رُوِيَ: فَإِنَّ الْعِبَادَ (إِذَا أَطَاعُونِي) ; أَيْ أَكْثَرُهُمْ (حَوَّلْتُ قُلُوبَ مُلُوكِهِمْ) ; أَيْ قَلَّبْتُ قُلُوبَ ظَلَمَتِهِمْ (عَلَيْهِمْ) ; أَيْ عَلَى عِبَادِي (بِالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ) ; أَيْ شِدَّةِ الرَّأْفَةِ، فَفِي النِّهَايَةِ ; الرَّأْفَةُ أَرَقُّ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَلَا تَكَادُ تَقَعُ فِي الْكَرَاهَةِ، وَالرَّحْمَةُ قَدْ تَقَعُ فِيهَا لِمَصْلَحَةٍ، (وَإِنَّ الْعِبَادَ إِذَا عَصَوْنِي حَوَّلْتُ قُلُوبَهُمْ) ; أَيْ قُلُوبَ مُلُوكِهُمُ الْعَادِلِينَ عَلَيْهِمْ، وَلَعَلَّ حَذْفَ (عَلَيْهِمْ) لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُمْ إِذَا صَبَرُوا لَا يَضُرُّهُمْ (بِالسَّخْطَةِ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ ; أَيِ الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِ الرِّضَا بِالشَّيْءِ (وَالنِّقْمَةِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ ; أَيِ الْكَرَاهَةِ وَالْعُقُوبَةِ ; فَفِي الصِّحَاحِ: نَقِمْتُهُ إِذَا كَرِهْتُهُ، وَانْتَقَمَ اللَّهُ مِنْهُ ; أَيْ عَاقَبَهُ، وَالْاسْمُ مِنْهُ النِّقْمَةُ اهـ. وَمِنَ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ} [البروج: ٨]

<<  <  ج: ص:  >  >>