للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْإِنْسَانُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الضَّرُورَةِ، بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ لَاخْتَلَّ بِهِ أَمْرُهُ، وَالْخَلَّةُ مَا كَانَ كَذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْخَلَلِ، وَلَكِنْ رُبَّمَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الِاضْطِرَارِ، بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يُوجَدْ لَامْتَنَعَ التَّعَيُّشُ، وَالْفَقْرُ هُوَ الْإِضْطِرَارُ إِلَى مَا لَا يُمْكِنُ التَّعَيُّشُ دُونَهُ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْفَقَارِ كَأَنَّهُ كَسَرَ فَقَارَهُ، وَلِذَلِكَ فُسِّرَ الْفَقِيرُ بِالَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ أَصْلًا، وَاسْتَعَاذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْفَقْرِ اهـ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةٌ ; وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ، وَقَالَ الْمُظْهِرُ: يَعْنِي مَنِ احْتَجَبَ دُونَ حَاجَةِ النَّاسِ وَخَلَّتِهِمْ فَعَلَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا فَعَلَ بِالْمُسْلِمِينَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَعَلَّ هَذَا الْوَجْهَ أَعْنِي التَّقْيِيدَ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ أَرْجَحُ ; لِأَنَّ التَّرَقِّيَ فِي قَوْلِهِ: حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ وَفَقْرِهِ، فِي شَأْنِ الْمُلُوكِ وَالسَّلَاطِينِ، يُؤْذِنُ بِسَدِّ بَابِ فَوْزِهِمْ بِمَطَالِبِهِمْ وَنَجَاحِ حَوَائِجِهِمْ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَيْسَ إِلَّا فِي الْعُقْبَى وَنَحْوِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: ١٥] تَغْلِيظًا عَلَيْهِمْ وَتَشْدِيدًا، وَلَمَّا كَانَ جَزَاءُ الْمُقْسِطِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَكُونُوا عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ ; كَانَ جَزَاءُ الْقَاسِطِينَ الْبُعْدَ وَالْاحْتِجَابَ عَنْهُمْ وَالْإِقْنَاطَ عَنْ مَبَاغِيهِمْ، وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ الَّذِي يَلِيهِ ; أَفْقَرَ مَا يَكُونُ (فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ رَجُلًا عَلَى حَوَائِجِ النَّاسِ) ; أَيْ عَلَى تَبْلِيغِهَا، أَوْ عَلَى قَضَائِهَا (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ) ; أَيْ لِلتِّرْمِذِيِّ وَلِأَحْمَدَ ( «أَغْلَقَ اللَّهُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ خَلَّتِهِ وَحَاجَتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ» ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>