للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٧٣٨ - «وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا ; فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: تُرْسِلُنِي وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ وَلَا عِلْمَ لِي بِالْقَضَاءِ؟ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ سَيَهْدِي قَلْبَكَ وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ ; إِذَا تَقَاضَى إِلَيْكَ رَجُلَانِ فَلَا تَقْضِ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَتَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ، قَالَ: فَمَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَعْدُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ. وَسَنَذْكُرُ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ إِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ بِرَأْيِ، فِي بَابِ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ــ

٣٧٣٨ - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا) ; أَيْ أَرَادَ بَعْثِيَ (فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُرْسِلُنِي؟) فِيهِ تَفَنُّنٌ لِلْعِبَارَةِ وَالتَّقْدِيرُ: أَتُرْسِلُنِي؟ (وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ) ; أَيْ وَالْحَالُ أَنِّي صَغِيرُ الْعُمْرِ قَلِيلُ التَّجَارِبِ (وَلَا عِلْمَ لِي) ; أَيْ كَامِلًا بِالْقَضَاءِ، وَلَيْسَ هَذَا تَعَلُّلًا بَلِ الْمَقْصُودُ مِنْهُ إِمْدَادُ الْمَدَدِ، (فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ سَيَهْدِي قَلْبَكَ) ; أَيْ بِالْفَهْمِ (وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ) ; أَيْ بِالْحُكْمِ، وَنَظِيرُهُ مَا وَقَعَ لِمُوسَى وَهَارُونَ، حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه: ٤٣] الْآيَةَ، {قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى - قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: ٤٥ - ٤٦] ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ الصُّوفِيَّةِ تَرْجِيحُ مَرْتَبَةِ الْحُضُورِ مَعَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى جَمِيعِ الْمَنَاصِبِ الْعَلِيَّةِ وَالْمَرَاتِبِ السَّنِيَّةِ، وَلِذَا لَمَّا عَرَضَ السُّلْطَانُ مَحْمُودٌ جَمِيعَ مَنَاصِبِهِ عَلَى عَبْدِهِ إِيَازَ الْخَاصِّ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِهَا وَاخْتَارَ مُلَازَمَةَ الْخَوَاصِّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، قَالَ الْمُظْهِرُ: لَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْيَ الْعِلْمِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يُجَرِّبْ سَمَاعَ الْمُرَافَعَةِ بَيْنَ الْخُصَمَاءِ وَكَيْفِيَّةَ دَفْعِ كَلَامِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَصْمَيْنِ وَمَكْرِهِمَا وَقَالَ الطِّيبِيُّ: السِّينُ فِي قَوْلِهِ: سَيَهْدِي قَلْبَكَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات: ٩٩] فَإِنَّ السِّينَ فِيهِمَا صَحِبَ الْفِعْلَ لِتَنْفِيسِ زَمَانِ وُقُوعِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ بَعَثَهُ قَاضِيًا كَانَ عَالِمًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، كَمَعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَوْلُهُ: أَنَا حَدِيثُ السِّنِّ، اعْتِذَارٌ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْفِكْرِ وَاجْتِهَادِ الرَّأْيِ مِنْ قِلَّةِ تَجَارِبِهِ، وَلِذَلِكَ أَجَابَ بِقَوْلِهِ: سَيَهْدِي قَلْبَكَ ; أَيْ يُرْشِدُكَ إِلَى طَرِيقِ اسْتِنْبَاطِ الْقِيَاسِ بِالرَّأْيِ الَّذِي مَحَلُّهُ قَلْبُكَ فَيَنْشَرِحُ صَدْرُكَ، وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ فَلَا تَقْضِي إِلَّا بِالْحَقِّ اهـ. وَقَوْلُ الْمُظْهِرِ أَوْفَقُ وَأَظْهَرُ بِقَوْلِهِ (إِذَا تَقَاضَى) ; أَيْ تَرَافَعَ إِلَيْكَ (رَجُلَانِ) ; أَيْ مُتَخَاصِمَانِ (فَلَا تَقْضِ لِلْأَوَّلِ) ; أَيْ مِنَ الْخَصْمَيْنِ وَهُوَ الْمُدَّعِي (حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ) ; أَيْ فَإِنَّكَ لَنْ تَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِنْبَاطِ وَتَمْيِيزِ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ بِسَمَاعِ كَلَامِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ فَقَوْلُهُ: إِذَا تَقَاضَى. . إِلَخْ مُقَدِّمَةٌ لِلْإِرْشَادِ وَأُنْمُوذَجٌ مِنْهُ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَقْضِي عَلَى غَائِبٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا مَنَعَهُ مِنْ أَنْ يَقْضِي لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَهُمَا حَاضِرَانِ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ ; فَفِي الْغَائِبِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ وَذَلِكَ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْغَائِبِ حُجَّةٌ تُبْطِلُ دَعْوَى الْآخَرِ وَتَدْحَضُ حُجَّتَهُ، قَالَ الْأَشْرَفُ: لَعَلَّ مُرَادَ الْخَطَّابِيِّ بِهَذَا الْغَائِبِ ; الْغَائِبُ عَنْ مَحَلَّ الْحُكْمِ فَحَسْبُ، دُونَ الْغَائِبِ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، فَإِنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ (فَإِنَّهُ) ; أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ كَيْفِيَّةِ الْقَضَاءِ (أَحْرَى) ; أَيْ حَرِيٌ وَحَقِيقٌ وَجَدِيرٌ (أَنْ يَتَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ قَالَ فَمَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَعْدُ) ; أَيْ بَعْدَ دُعَائِهِ وَتَعْلِيمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَعَلَّ هَذَا وَجْهُ كَوْنِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَقْضَاهُمْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْجَزَرِيُّ بِإِسْنَادِهِ فِي أَسْنَى الْمَنَاقِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَلِيٌّ أَقْضَانَا وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَقْرَؤُنَا) (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَسَنَذْكُرُ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ ( «إِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ بِرَأْيِ» ) فِي بَابِ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) .

<<  <  ج: ص:  >  >>