(مِنَ الْجُبْنِ) : بَيَانُ التَّشْبِيهِ. أَقُولُ: الْأَظْهَرُ أَنَّ مِنْ تَعْلِيلِيَّةٌ، وَالْجُبْنُ ضِدُّ الشَّجَاعَةِ، وَهُمَا خَصْلَتَانِ جِبْلِيَّتَانِ مَذْكُورَتَانِ فِي الْإِنْسَانِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْغَرَائِزَ الطَّبِيعِيَّةَ الْمُسْتَحْسَنَةَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَنِعَمِهِ يَسْتَوْجِبُ الْعَبْدُ بِهَا زِيَادَةَ دَرَجَةٍ (أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ) ; أَيْ: مَثَلًا، وَالتَّرْكِيبُ تَوْصِيفِيٌّ، وَجُوِّزَ الْإِضَافَةُ وَالْمَعْنَى لَا يُعْرَفُ رَامِيهِ (قَتَلَهُ) ; أَيْ: ذَلِكَ السَّهْمُ مَجَازًا (فَهُوَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ) : وَفِي الْحَدِيثِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُؤْمِنَ الْقَوِيَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، كَمَا رُوِيَ (وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ خَلَطَ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا) : الْوَاوُ بِمَعْنَى الْبَاءِ، أَوْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَخْلُوطٌ بِالْآخَرِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} [التوبة: ١٠٢] : الْوَاوُ بِمَعْنَى الْبَاءِ، أَوْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَخْلُوطٌ بِالْآخَرِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} [التوبة: ١٠٢] (لَقِيَ الْعَدُوَّ فَصَدَقَ اللَّهَ حَتَّى قُتِلَ) : أَيْ: بِوَصْفِ الشَّجَاعَةِ (فَذَاكَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ. وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ أَسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ) : أَيْ: بِكَثْرَةِ الْمَعَاصِي، وَفِيهِ رَدٌّ صَرِيحٌ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ (لَقِيَ الْعَدُوَّ، فَصَدَقَ اللَّهَ حَتَّى قُتِلَ) : أَيْ: بِوَصْفِ الشَّجَاعَةِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ فَصَدَقَ اللَّهَ (فَذَاكَ فِي الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ) : وَفِي نُسْخَةٍ: فَذَلِكَ وَهُوَ يُنَاسِبُ الْمَرَاتِبَ ; لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مُعَبَّرٌ بِذَاكَ وَهُوَ الْمُتَوَسِّطُ، وَمَا قَبْلَهُ مُعَبَّرٌ بَهُوَ الْمُنَاسِبِ لِلْقَرِيبِ، وَأَمَّا مَا قَبْلَهُ الْمُعَبَّرُ بِذَلِكَ فَهُوَ لِلْبُعْدِ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي لَا يَصِلُ إِلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: ٢] قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَرْقُ بَيْنَ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا جَيِّدُ الْإِيمَانِ أَنَّ الْأَوَّلَ صَدَقَ اللَّهَ فِي إِيمَانِهِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الشَّجَاعَةِ، وَهَذَا بَذَلَ مُهْجَتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَمْ يَصْدُقْ لِمَا فِيهِ مِنَ الْجُبْنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّانِي وَالرَّابِعِ أَنَّ الثَّانِيَ جَيِّدُ الْإِيمَانِ غَيْرُ صَادِقٍ بِفِعْلِهِ، وَالرَّابِعَ عَكْسُهُ فَعُلِمَ مِنْ وُقُوعِهِ فِي الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِخْلَاصَ لَا يَعْتَرِيهِ شَيْءٌ وَأَنَّ مَبْنَى الْأَعْمَالِ عَلَى الْإِخْلَاصِ اه.
وَفِيهِ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لِلْحَدِيثِ عَلَى الْإِخْلَاصِ، مَعَ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي جَمِيعِ مَرَاتِبِ الِاخْتِصَاصِ، بَلِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ بِالشَّجَاعَةِ وَضِدِّهَا مَعَ اتِّفَاقِهِمَا فِي الْإِيمَانِ وَصَلَاحِ الْعَمَلِ، ثُمَّ دُونَهُمَا الْمُخْلِطُ، ثُمَّ دُونَهُمُ الْمُسْرِفُ مَعَ اتِّصَافِهِمَا بِالْإِيمَانِ أَيْضًا، وَلَعَلَّ الطِّيبِيَّ أَرَادَ بِالْمُخْلِطِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ نِيَّةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَبِالْمُسْرِفِ مَنْ نَوَى بِمُجَاهَدَتِهِ الْغَنِيمَةَ، أَوِ الرِّيَاءَ وَالسُّمْعَةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) : أَيْ: إِسْنَادًا، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ ; أَيْضًا عَنْ عُمَرَ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلُهُ: فَمَا أَدْرِي إِلَخِ فِي الْبَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute