وَقَوْلُهُ فِي خَيْمَةِ اللَّهِ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، وَأَنْ يَكُونَ الشَّهِيدُ صِفَةَ ذَلِكَ، وَكَذَا الْمُمْتَحَنُ صِفَةٌ لِذَلِكَ، وَفِي خَيْمَةِ اللَّهِ خَبَرٌ، وَالْمُمْتَحَنُ الْمُجَرِّبُ مِنْ قَوْلِهِمُ: امْتُحِنَ فُلَانٌ لِأَمْرِ كَذَا جُرِّبَ لَهُ وَدُرِّبَ لِلنُّهُوضِ بِهِ، فَهُوَ مُضْطَلِعٌ غَيْرُ وَانٍ عَنْهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ صَابِرٌ عَلَى الْجِهَادِ قَوِيٌّ عَلَى احْتِمَالِ مَشَاقِّهِ (لَا يَفْضُلُهُ النَّبِيُّونَ إِلَّا بِدَرَجَةِ النُّبُوَّةِ) : لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَزِيَادَةِ سَعَادَةِ الشَّهَادَةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ يُشَارِكُونَ أُمَمَهُمْ فِيمَا صَدَرَ عَنْهُمْ مِنَ الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ، وَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنَ (وَمُؤْمِنٌ خَلَطَ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِذَا) : كَذَا فِي النُّسَخِ وَالظَّاهِرُ: (فَإِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَ حَتَّى يُقْتَلَ. قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ) ; أَيْ: فِي حَقِّهِ مُمَصْمَصَةٌ) : بِالْمُهْمَلَتَيْنِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْمُعْجَمَتَيْنِ فَفِي الْقَامُوسِ: الْمَصْمَصَةُ الْمَضْمَضَةُ بِطَرَفِ اللِّسَانِ، وَمَصْمَصَةُ الذُّنُوبِ تَمْحِيصُهَا، وَالْمَضْمَضَةُ تَحْرِيكُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ. وَفِي الْفَائِقِ: مُمَصْمَصَةٌ ; أَيْ: مُطَهَّرَةٌ مِنْ دَنَسِ الْخَطَايَا مِنْ قَوْلِهِمْ: مَصْمَصْتُ الْإِنَاءَ بِالْمَاءِ إِذَا حَرَّكْتَهُ حَتَّى يَطْهُرَ، وَمِنْهُ مَصْمَصَةُ الْفَمِ وَهُوَ غَسْلُهُ بِتَحْرِيكِ الْمَاءِ فِيهِ كَالْمَضْمَضَةِ، وَقِيلَ: هِيَ بِالصَّادِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ بِطَرَفِ اللِّسَانِ، وَبِالضَّادِ بِالْفَمِ كُلِّهِ وَإِنَّمَا أُنِّثَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ، أَوْ أَرَادَ مَصْمَصَةً فَأَقَامَ الصِّفَةَ مَقَامَ الْمَوْصُوفِ (مَحَتْ ذُنُوبَهُ وَخَطَايَاهُ، إِنَّ السَّيْفَ مَحَّاءٌ) ; أَيْ: كَثِيرُ الْمَحْوِ (لِلْخَطَايَا) : أَيِ: الصَّغَائِرِ، وَأَمَّا الْكَبَائِرُ فَتَحْتَ الْمَشِيئَةِ، لَكِنْ وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ كُلَّ خَطِيئَةٍ إِلَّا الدَّيْنَ. (وَأُدْخِلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ) : تَعْظِيمًا لَهُ وَتَكْرِيمًا. قَالَ الطِّيبِيُّ، قَوْلُهُ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِيثِ مَرَّتَيْنِ احْتِيَاطًا لِئَلَّا يَلْتَبِسَ نَصُّ النَّبِيِّ بِرَاوِيَتِهِ اهْتِمَامًا بِشَأْنِ الْمَقُولِ اه. وَهُوَ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمُعْتَرِضَتَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ الرَّاوِي غَيْرُ حَالِ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَأَدْرَجَهُمَا فِيهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ فِيمَا بَيْنَ كُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ بَيَانًا بِعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِمَا، أَوْ تِبْيَانًا لِتَفَاوُتِ مَنْزِلَتِهِمَا، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: (وَمُنَافِقٌ) ; أَيْ: وَمِنَ الْقَتْلَى مُنَافِقٌ (جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَإِذَا لَقِيَ الْعَدُوُّ قَاتَلَ حَتَّى يُقْتَلَ ; فَذَاكَ فِي النَّارِ) : وَإِلَّا فَالْكُلُّ مُشْتَرِكٌ فِي وَصْفِ الْمُقَاتَلَةِ إِلَى أَنْ يُقْتَلُوا، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّمَايُزِ بَيْنَهُمْ لِحُصُولِ الْمَرَامِ فِي الْكَلَامِ (إِنَّ السَّيْفَ) : اسْتِئْنَافٌ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحٍ أَنْ (لَا يَمْحُو النِّفَاقَ) : فَهُوَ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» " عَلَى مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، فِي عَمْرِو بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: «فَإِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ الْإِسْلَامَ بِرِجَالٍ مَا هُمْ مِنْ أَهْلِهِ» " وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ، وَابْنِ حِبَّانَ، عَنْ أَنَسٍ، وَأَحْمَدَ، وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ بِلَفْظِ " «إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِأَقْوَامٍ لَا خَلَاقَ لَهُمْ» ". (رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute