وَحَسْبُنَا اللَّهُ، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. " [ (وَتُقِيمَ) ، أَيْ: وَأَنْ تُقِيمَ [ (الصَّلَاةَ) ] أَيْ: الْمَعْهُودَةَ شَرْعًا. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: الْمَكْتُوبَةَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ النَّافِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْإِسْلَامِ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَرْكَانِهِ. يَعْنِي بِأَنْ تُؤَدِّيَهَا، وَتَحْفَظَ شُرُوطَهَا، وَتَعْدِلَ أَرْكَانَهَا، وَتُدَاوِمَ عَلَيْهَا، وَلِذَا لَمْ يَقُلْ، وَتُصَلِّي [ (وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ) ] أَيْ: وَأَنْ تُعْطِيَ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنَ التَّمْلِيكِ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ زَكَى. بِمَعْنَى طَهُرَ، وَنَمَا، وَهُوَ اسْمٌ لِلْقَدْرِ الْمُخْرِجِ مِنَ النِّصَابِ ; لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ الْمُخْرِجَ، أَوِ الْمُخْرَجَ عَنْهُ، وَيَزِيدُ الْبَرَكَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ تَقْيِيدُهَا بِالْمَفْرُوضَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لِلتَّأْكِيدِ [ (وَتَصُومَ) ] : بِالنَّصْبِ [ (رَمَضَانَ) ] أَيْ: فِي شَهْرِهِ، وَفِيهِ جَوَازُ ذِكْرِهِ بِلَا كَرَاهَةٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ شَهْرٍ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَهُوَ مِنْ رَمَضَ إِذَا احْتَرَقَ مِنَ الرَّمْضَاءِ فَأُضِيفَ إِلَيْهِ الشَّهْرُ، وَسُمِّيَ بِهِ لِارْتِمَاضِهِمْ مِنْ حَرِّ الْجُوعِ، أَوْ مِنْ حَرَارَةِ الزَّمَانِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ، أَوْ لِأَنَّهُ يَحْتَرِقُ بِهِ الذُّنُوبُ، وَتُمْحَى بِهِ الْعُيُوبُ، أَوْ لِأَنَّهُ يَزُولُ مَعَهُ حَرَارَةُ الشَّهَوَاتِ، وَالصَّوْمُ لُغَةً الْإِمْسَاكُ، وَشَرْعًا إِمْسَاكٌ مَخْصُوصٌ بِوَصْفٍ مَخْصُوصٍ، [ (وَتَحُجَّ الْبَيْتَ) ] أَيِ: الْحَرَامَ ; فَإِنَّ فِيهِ لِلْعَهْدِ، أَوْ هُوَ اسْمُ جِنْسٍ غَلَبَ عَلَى الْكَعْبَةِ عَلَمًا، وَاللَّامُ فِيهِ جُزْءٌ كَمَا فِي النَّجْمِ، وَالْحَجُّ لُغَةً الْقَصْدُ، أَوْ تَكْرَارُهُ مُطْلَقًا، أَوْ إِلَى مُعَظَّمٍ، وَشَرْعًا قَصْدُ بَيْتِ اللَّهِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ [ (إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ) ] أَيْ: إِلَى الْبَيْتِ، أَوْ إِلَى الْحَجِّ أَيْ: إِنْ أَمْكَنَ لَكَ الْوُصُولُ إِلَيْهِ بِأَنْ وَجَدْتَ زَادًا، أَوْ رَاحِلَةً كَمَا فِي حَدِيثٍ صَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ [ (سَبِيلًا) ] : تَمْيِيزٌ عَنْ نِسْبَةِ الِاسْتِطَاعَةِ فَأُخِّرَ عَنِ الْجَارِ لِيَكُونَ أَوْقَعَ، وَهِيَ الطَّرِيقُ الَّذِي فِيهِ سُهُولَةٌ، وَتُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى شَيْءٍ، وَتَنْكِيرُهُ لِلْعُمُومِ إِذِ النَّكِرَةُ فِي الْإِثْبَاتِ قَدْ تُفِيدُ الْعُمُومَ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (عَلِمَتْ نَفْسٌ) لَكِنَّهُ مَجَازٌ، وَتَقْدِيمُ إِلَيْهِ عَلَيْهِ لِلِاخْتِصَاصِ أَيْ: سَبِيلًا مَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ قَرِيبًا، أَوْ بَعِيدًا، وَنَحْوَهُمَا، بِشَرْطِ اخْتِصَاصِ انْتِهَائِهِ إِلَيْهِ لَا إِلَى غَيْرِهِ، وَقِيلَ " سَبِيلًا " مَفْعُولٌ. بِمَعْنَى مُوَصِّلٍ، أَوْ مُبَلِّغٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّهُ بِالْمَالِ، وَأَوْجَبَ الِاسْتِنَابَةَ عَلَى الزَّمَنِ الْغَنِيِّ، وَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّهُ بِالْبَدَنِ فَيَجِبُ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ، وَالْكَسْبِ فِي الطَّرِيقِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنَّهُ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ، ثُمَّ الِاسْتِطَاعَةُ هِيَ الْقُدْرَةُ مِنْ طَاعَ لَكَ إِذَا سَهُلَ يُطْلَقُ عَلَى سَلَامَةِ الْأَسْبَابِ، وَصِحَّةِ الْآلَاتِ، وَهِيَ قَدْ تَتَقَدَّمُ عَلَى الْفِعْلِ، وَعَلَى عَرْضٍ فِي الْحَيَوَانِ يَفْعَلُ لَهُ الْأَفْعَالَ الِاخْتِيَارِيَّةَ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ، وَهِيَ كَمَا فُسِّرَتِ اسْتِطَاعَةٌ خَاصَّةٌ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَلَا يُرَدُّ مَا قِيلَ إِنَّ الِاسْتِطَاعَةَ الَّتِي بِهَا يَتَمَكَّنُ الْمُكَلَّفُ مِنْ فِعْلِ الْعِبَادَةِ مَشْرُوطَةٌ فِي الْكُلِّ فَكَيْفَ خُصَّ الْحَجُّ بِهَا؟ قَالَ الطِّيبِيُّ، فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ خُصَّ الْحَجُّ بِالِاسْتِطَاعَةِ دُونَ سَائِرِ الْأَرْكَانِ الْإِسْلَامِيَّةِ مَعَ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ الَّتِي يَتَمَكَّنُ الْمُكَلَّفُونَ مِنْ فِعْلِ الطَّاعَةِ مَشْرُوطَةٌ فِي الْكُلِّ؟ أُجِيبَ: بِأَنَّ الْمَعْنِيَّ بِهَذِهِ الِاسْتِطَاعَةِ الزَّادُ، وَالرَّاحِلَةُ، وَكَانَ طَائِفَةٌ لَا يَعُدُّونَهَا مِنْهَا، وَيُثْقِلُونَ عَلَى الْحَاجِّ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ، أَوْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ نَاسًا فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فَصَرَّحَ تَسْهِيلًا عَلَى الْعِبَادِ، وَمَعَ ذَلِكَ تَرَى كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَا يَرْفَعُونَ لِهَذَا النَّصِّ الْجَلِيِّ رَأْسًا، وَيُلْقُونَ أَنْفُسَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ. أَقُولُ: وَلَعَلَّ فِي هَذَا حِكْمَةً، وَهِيَ أَنْ تَكُونَ حُجَّةً عَلَى الْأَغْنِيَاءِ التَّارِكِينَ لِلْحَجِّ رَأْسًا مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَاهُمْ مَالًا، وَأَثَاثًا، وَإِيرَادُ الْأَفْعَالِ الْمُضَارِعِيَّةِ لِإِفَادَةِ الِاسْتِمْرَارِ التَّجَدُّدِيِّ لِكُلٍّ مِنَ الْأَرْكَانِ الْإِسْلَامِيَّةِ، فَفِي التَّوْحِيدِ الْمَطْلُوبِ الِاسْتِمْرَارُ الدَّائِمُ مُدَّةَ الْحَيَاةِ، وَفِي الصَّلَاةِ دُونَهُ، ثُمَّ فِي الصَّوْمِ، وَالزَّكَاةِ دُونَهَا، وَقَدَّمَ الصَّوْمَ لِتَعَلُّقِهِ بِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ، وَأَخَّرَ مَا وَجَبَ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً. وَفِي فَتْحِ الْبَارِي فَإِنْ قِيلَ: السُّؤَالُ عَامٌّ؛ لِأَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَاهِيَّةِ الْإِسْلَامِ. وَالْجَوَابُ خَاصٌّ بِقَوْلِهِ: أَنْ تَعْبُدَ، وَتَشْهَدَ، وَكَذَا قَالَ فِي الْإِيمَانِ: أَنْ تُؤْمِنَ، وَفِي الْإِحْسَانِ أَنْ تَعْبُدَ. فَالْجَوَابُ: أَنَّ ذَلِكَ لِنُكْتَةِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَصْدَرِ، وَ (أَنْ) الْفِعْلِ، لِأَنَّ أَنْ وَالْفِعْلَ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ، وَالْمَصْدَرُ لَا يَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ عَلَى أَنَّ فِي رِوَايَةٍ قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ اهـ.
وَقِيلَ: الْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: الْقَصْدُ التَّعْلِيمُ هُوَ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُمُورِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَلِذَلِكَ عَدَلَ عَنِ الْمَصْدَرِ الْمُنَاسِبِ لِلسُّؤَالِ إِلَى مَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ، وَيَسْنَحُ بِالْبَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ أَنَّ الْعُدُولَ عَنِ الْمَصْدَرِ الْمُفِيدِ لِلْعِلْمِ إِلَى الْمُضَارِعِ الْمُقْتَضِي لِلْعَمَلِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الْمَعْرِفَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْقُوَّةِ إِلَى الْفِعْلِ، وَبِنَحْوِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute