للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٩٤٨ - وَعَنِ الْمُهَلَّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِنْ بَيَّتَكُمُ الْعَدُوُّ فَلْيَكُنْ شِعَارُكُمْ حم لَا يُنْصَرُونَ» " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ.

ــ

٣٩٤٨ - (وَعَنِ الْمُهَلَّبِ) : بِتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ الْأَزْدِيُّ، صَاحِبُ الْمَقَامَاتِ الْمَأْثُورَةِ وَالْحُرُوبِ الْمَشْهُورَةِ مَعَ الْخَوَارِجِ، سَمِعَ سَمُرَةَ وَابْنَ عُمَرَ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ بِمَرْوِ الرُّوذِ مِنْ أَرْضِ خُرَاسَانَ فِي أَيَّامِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَهُوَ فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى مِنْ تَابِعِيِّ الْبَصْرَةِ اهـ. فَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ فَكَانَ يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ) : أَيْ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ، ذَكَرَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ (إِنْ بَيَّتَكُمُ الْعَدُوُّ: بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ ; أَيْ: إِنْ قَصَدَكُمْ بِالْقَتْلِ لَيْلًا وَاخْتَلَطْتُمْ مَعَهُمْ (فَلْيَكُنْ شِعَارُكُمْ) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَيُفْتَحُ فَفِي الْقَامُوسِ: الشِّعَارُ كَكِتَابٍ عَلَامَةٌ يُعْرَفُ بِهَا فِي الْحُرُوبِ، وَيُفْتَحُ وَهُوَ مَرْفُوعٌ، وَفِي نُسْخَةٍ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ قَوْلُهُ: (حم) : بِالْفَتْحِ وَالْإِمَالَةِ (لَا يُنْصَرُونَ) : بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ وَهُوَ دُعَاءٌ، أَوْ إِخْبَارٌ قَالَ الْقَاضِي: أَيْ عَلَامَتُكُمُ الَّتِي تَعْرِفُونَ بِهَا أَصْحَابَكُمْ هَذَا الْكَلَامَ، وَالشِّعَارُ فِي الْأَصْلِ الْعَلَامَةُ الَّتِي تُنْصَبُ لِيَعْرِفَ بِهَا الرَّجُلُ رُفْقَتَهُ، وَحم لَا يُنْصَرُونَ مَعْنَاهُ بِفَضْلِ السُّوَرِ الْمُفْتَتَحَةِ بِحم وَمَنْزِلَتِهَا مِنَ اللَّهِ لَا يُنْصَرُونَ. وَقِيلَ: إِنَّ الْحَوَامِيمَ السَّبْعَ سُوَرٌ لَهَا شَأْنٌ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا وَقَعْتَ فِي آلِـ " حم " وَقَعْتَ فِي رِيَاضَاتِ دَفَعَاتٍ، فَنَبَّهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ ذِكْرَهَا لِعِظَمِ شَأْنِهَا، وَشَرَفِ مَنْزِلَتِهَا عِنْدَ اللَّهِ مِمَّا يَسْتَظْهِرُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ عَلَى اسْتِنْزَالِ النَّصْرِ عَلَيْهِمْ، وَالْخِذْلَانِ عَلَى عَدُوِّهِمْ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقُولُوا حم، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ. وَقَالَ: لَا يُنْصَرُونَ جَوَابًا لِسَائِلٍ عَسَى أَنْ يَقُولَ: مَاذَا يَكُونُ إِذَا قُلْتُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ؟ فَقَالَ: لَا يُنْصَرُونَ، وَقِيلَ: حم مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ الْمَعْنَى اللَّهُمَّ لَا يُنْصَرُونَ، وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ حم لَمْ يَثْبُتْ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّ جَمِيعَ أَسْمَائِهِ مُفْصِحَةٌ عَنْ ثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ، وَحم لَيْسَ إِلَّا اسْمَيْ حَرْفَيْنِ مِنَ الْحُرُوفِ الْمُعْجَمَةِ، وَلَا مَعَنًى تَحْتَهُ يَصْلُحُ ; لِأَنْ يَكُونَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ.

قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْقَائِلِ أَنَّ حم مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ بِمَعْنَى أَنَّ حُرُوفَهَا دَالَّةٌ عَلَى أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ كَالْحَمِيدِ وَالْحَيِّ وَالْمَلِكِ وَالْمُقْتَدِرِ وَالْمُنْتَقِمِ وَأَمْثَالِهِمَا، مِمَّا كُلُّ حَرْفٍ مِنْهُ يُفْتَتَحُ بِهِ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا ذُكِرَ ذَلِكَ الْحَرْفُ، فَكَأَنَّمَا ذُكِرَ ذَلِكَ الِاسْمُ، هَذَا وَفِي الْمَعَالِمِ قَالَ السُّدِّيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حم اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ، وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: الْحَاءُ افْتِتَاحُ أَسْمَائِهِ: حَلِيمٍ، حَمِيدٍ، حَيٍّ، حَكِيمٍ، حَنَّانٍ. وَالْمِيمُ افْتِتَاحٌ أَسْمَائِهِ: مَلِكٍ، مَجِيدٍ، مَنَّانٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ، وَالْكِسَائِيُّ: مَعْنَاهُ قَضَى مَا هُوَ كَائِنٌ كَأَنَّهُمَا أَشَارَا إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ حم بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ اهـ. قَالَ: وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ اسْمًا كَسَائِرِ الْأَسْمَاءِ لَأُعْرِبَ كَمَا أَعْرَبَهُ الشَّاعِرُ حَيْثُ جَعَلَهُ اسْمًا لِلسُّورَةِ فَقَالَ: يَذْكُرُ لِي حم وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ فَهَلَّا تَلَا حاميم قَبْلَ التَّقَدُّمِ وَمَنْعُهُ مِنَ الصَّرْفِ لِلْعِلْمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ. قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الشَّاعِرَ إِنَّمَا أَعْرَبَهُ لِضَرُورَةِ إِقَامَةِ الْوَزْنِ، مَعَ أَنَّهُ قُرِئَ حم فِي الْقُرْآنِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا عَلَى الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَالنَّصْبِ بِإِضْمَارِ اقْرَأْ، وَمَنْعُ صَرْفِهِ لِلتَّرْكِيبِ، أَوْ لِلتَّعْرِيفِ وَالتَّأْنِيثِ، أَوْ ; لِأَنَّهَا عَلَى زِنَةِ أَعْجَمِيٍّ كَقَابِيلَ وَهَابِيلَ. قَالَ: وَقَدْ نُسِبَ هَذَا الْقَوْلُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَإِنْ صَحَّ عَنْهُ تَوْجِيهُهُ أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ

<<  <  ج: ص:  >  >>