للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْمُخْتَارُ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: أَعْلَمُ أَنَّ أَكْثَرَ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَسْمَعُ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ فَكَلَّمَهُ مَيِّتًا لَا يَحْنَثُ ; لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ عَلَى مَا يُجِيبُ بِفَهْمِ السَّمَاعِ كَمَا قَالُوا فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ فَأَكَلَ السَّمَكَ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالِي سَمَّاهُ لَحْمًا طَرِيًّا قَالَ: وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَارَةً بِأَنَّهُ مَرْدُودٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَيْفَ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ؟ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: ٢٢] ، {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: ٨٠] أَقُولُ: وَالْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَرْدُودًا لَاسِيَّمَا وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقُرْآنِ فَإِنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْمَوْتَى الْكُفَّارُ وَالنَّفْيُ مُنْصَبٌّ عَلَى نَفْيِ النَّفْعِ لَا عَلَى مُطْلَقِ السَّمْعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة: ١٧١] ، أَوْ عَلَى نَفْيِ الْجَوَابِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى السَّمْعِ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: ٨٠] وَهُمْ مِثْلُهُمْ لَمَّا سَدُّوا عَنِ الْحَقِّ مَشَاعِرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ ; أَيْ هِدَايَتَهُ فَيُوَفِّقُهُ لِفَهْمِ ; آيَاتِهِ وَالِاتِّعَاظِ بِعِظَاتِهِ {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: ٢٢] تَرْشِيحٌ لِتَمْثِيلِ الْمُصِرِّينَ عَلَى الْكُفْرِ بِالْأَمْوَاتِ وَمُبَالَغَةٌ فِي إِقْنَاطِهِ عَنْهُمْ اهـ. فَالْآيَةُ مِنْ قَبِيلِ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: ٥٦] ، ثُمَّ قَالَ وَتَارَةً بِأَنَّ تِلْكَ خُصُوصِيَّةٌ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعْجِزَةٌ وَزِيَادَةُ حَسْرَةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ أَقُولُ وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ الْآتِي وَيَرُدُّهُ أَنَّ الِاخْتِصَاصَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا بَلِ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ يُنَافِيَانِهِ قَالَ وَتَارَةً بِأَنَّهُ مِنْ ضَرْبِ الْمَثَلِ أَقُولُ وَيَدْفَعُهُ جَوَابُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ قَالَ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِمْ خَبَرُ مُسْلِمٍ «إِنَّ الْمَيِّتَ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ إِذَا انْصَرَفُوا» اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَخُصُّوا ذَلِكَ بِأَوَّلِ الْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ مُقَدِّمَةً لِلسُّؤَالِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآيَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا يُفِيدَانِ تَحَقُّقِ عَدَمِ سَمَاعِهِمْ فَإِنَّهُ تَعَالَى شَبَّهَ الْكُفَّارَ بِالْمَوْتَى لِإِفَادَةِ بُعْدِ سَمَاعِهِمْ وَهُوَ نَوْعُ عَدَمِ سَمَاعِ الْمَوْتَى اهـ. وَهُوَ كَمَا تَرَى فِيهِ نَوْعُ نَقْضٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ جَمْعٌ مَعَ أَنَّ مَا وَرَدَ مِنَ السَّلَامِ عَلَى الْمَوْتَى يُرَدُّ عَلَى التَّخْصِيصِ بِأَوَّلِ أَحْوَالِ الدَّفْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَزَادَ الْبُخَارِيُّ قَالَ قَتَادَةُ أَحْيَاهُمُ اللَّهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا) ; أَيْ تَحْقِيرًا (وَنِقْمَةً) ; أَيِ انْتِقَامًا (وَحَسْرَةً وَنَدَمًا) ; أَيْ تَحْسِيرًا وَتَنْدِيمًا وَكَانَ الْمَازِرِيُّ أَخَذَ الِاخْتِصَاصَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي شَرْحِ الصُّدُورِ فِي أَحْوَالِ الْقُبُورِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>