(فَقَالَ مَا شَأْنُكَ قَالَ إِنِّي مُسْلِمٌ) ; أَيِ الْآنَ، أَوْ مِنْ قَبْلِ هَذَا الزَّمَانِ (فَقَالَ لَوْ قُلْتَهَا) ; أَيْ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ، أَوْ هَذِهِ اللَّفْظَةَ (وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ) ; أَيْ فِي حَالِ اخْتِيَارِكَ، وَقِيلَ كَوْنِكَ أَسِيرًا (أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ) ; أَيْ نَجَوْتَ فِي الدُّنْيَا بِالْخَلَاصِ مِنَ الرِّقِّ وَفِي الْعُقْبَى بِالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا وَقَعَ فِي الْأَسْرِ فَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ قَبْلَهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ حَرُمَ قَتْلُهُ وَجَازَ اسْتِرْقَاقُهُ وَإِنْ قَبِلَ الْجِزْيَةَ قَبْلَهُ بَعْدَ الْأَسْرِ فَفِي حُرْمَةِ قَتْلِهِ خِلَافٌ زَادَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْفِدَاءِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ الَّذِي بَعْدَ الْأَسْرِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يُجِيبُ إِطْلَاقَهُ وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ أَسْلَمَ الْأَسِيرُ وَهُوَ فِي أَيْدِينَا لَا يُفَادَى بِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إِلَّا إِذَا طَالَبَ نَفْسَهُ وَهُوَ مَأْمُونٌ عَلَى إِسْلَامِهِ فَيَحُوزُ ; لِأَنَّهُ يُفِيدُ تَخْلِيصَ مُسْلِمٍ مِنْ غَيْرِ أَضْرَارٍ لِمُسْلِمٍ آخَرَ اهـ. فَقِيلَ إِنَّمَا رَدَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ إِظْهَارِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ ; لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ صَادِقٍ فَهَذَا خَاصَّةً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ رَدُّهُ وَأَخْذُ الرَّجُلَيْنِ بَدَلَهُ لَا يُنَافِي إِسْلَامَهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الرَّدُّ شَرْطًا بَيْنَهُمْ فِي الْمُعَاهَدَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (قَالَ) ; أَيْ عِمْرَانُ (فَفَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ; أَيْ أَبْدَلَهُ (بِالرَّجُلَيْنِ الَّذِينَ أَسَرَتْهُمَا ثَقِيفٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَلَا يُفَادَى بِالْأُسَارَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: هَذِهِ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَعَلَيْهَا مَشَى الْقُدُورِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُفَادَى بِهِمْ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ إِلَّا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمُفَادَاةُ بِهِنَّ عِنْدَهُمْ وَمَنَعَ أَحْمَدُ الْمُفَادَاةَ بِصِبْيَانِهِمْ وَهَذِهِ رِوَايَةُ السِّيَرِ الْكَبِيرِ قِيلَ وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجُوزُ الْمُفَادَاةُ بِالْأُسَارَى قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَا بَعْدَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ بِكُلِّ حَالٍ وَجْهُ رِوَايَةِ الْكِتَابِ يَعْنِي الْهِدَايَةَ مَا ذُكِرَ أَنَّ فِيهِ مَعُونَةَ الْكُفْرِ ; لِأَنَّهُ يَعُودُ حَرْبًا عَلَيْنَا وَدَفْعُ شَرِّ حِرَابَتِهِ خَيْرٌ مِنِ اسْتِنْقَاذِ الْمُسْلِمِ ; لِأَنَّهُ إِذَا بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمْ كَانَ ; إِيذَاءً فِي حَقِّهِ فَقَطْ وَالضَّرَرُ بِدَفْعِ أَسِيرِهِمْ إِلَيْهِمْ يَعُودُ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْمُوَافِقَةِ لِقَوْلِ الْعَامَّةِ أَنَّ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ أَوْلَى مِنْ كَسْبِ الْكَافِرِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ وَلِأَنَّ حُرْمَتَهُ عَظِيمَةٌ وَمَا ذُكِرَ مِنَ الضَّرَرِ الَّذِي يَعُودُ إِلَيْنَا بِدَفْعِهِ إِلَيْهِمْ يَدْفَعُهُ نَفْعُ الْمُسْلِمِ الَّذِي يَتَخَلَّصُ مِنْهُمْ ; لِأَنَّهُ ضَرَرُ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَيَقُومُ بِدَفْعِهِ وَاحِدٌ مِثْلُهُ ظَاهِرًا فَيَتَكَافَأُ، ثُمَّ تَبْقَى فَضِيلَةُ تَخْلِيصِ الْمُسْلِمِ وَتَمْكِينِهِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ كَمَا يَنْبَغِي زِيَادَةُ تَرْجِيحٍ، ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحَهِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَى رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ «خَرَجْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ أَمَّرَهُ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أَنْ قَالَ فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السُّوقِ فَقَالَ يَا سَلَمَةُ هَبْ لِيَ الْمَرْأَةَ لِلَّهِ أَبُوكَ أَعْنِي الَّتِي كَانَ أَبُو بَكْرٍ نَفَّلَهُ إِيَّاهَا فَقُلْتُ هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا فَفَدَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا أُسِرُوا بِمَكَّةَ» إِلَّا أَنَّ هَذَا يُخَالِفُ رَأْيَهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا يُفَادُونَ بِالنِّسَاءِ قُلْتُ لَعَلَّ كَلَامَهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى وَاحِدَةٍ بِوَاحِدَةٍ وَالْمَوْرِدُ بِخِلَافِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute