للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَالَ شَارِحٌ لِلْمَصَابِيحِ قَوْلُهُ: مَعَافِرُ أَيْ: ثِيَابٌ مَعَافِرُ بِحَذْفِ الْمُضَافِ. (ثِيَابٌ) : بِالرَّفْعِ أَيْ: هِيَ ثِيَابٌ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِ (تَكُونُ بِالْيَمَنِ) : وَفِي نُسْخَةٍ بِالْيَمَنِ، قَالَ الْقَاضِي: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّمَ الْحُكْمَ وَلَمْ يُفَصِّلْ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُؤْخَذُ مِنَ الْمُوسِرِ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، وَمِنَ الْمُتَوَسِّطِ دِينَارَانِ، وَمِنَ الْمُعْسِرِ دِينَارٌ اهـ.

وَسَبَقَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، بَلِ الْمُسْتَحَبُّ، ثُمَّ مَذْهَبُنَا مَنْقُولٌ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي كُتُبِهِمْ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَجَّهَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ إِلَى السَّوَادِ، فَمَسَحَا أَرْضَهَا وَوَضَعَا عَلَيْهِ الْخَرَاجَ، وَجَعَلَا النَّاسَ ثَلَاثَ طَبَقَاتٍ عَلَى مَا قُلْنَا، فَلَمَّا رَجَعَا أَخْبَرَاهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ عَمِلَ عُثْمَانُ كَذَلِكَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: وَضَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْجِزْيَةِ عَلَى رُءُوسِ الرِّجَالِ عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَعَلَى الْفَقِيرِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَهُوَ مُرْسَلٌ. وَرَوَاهُ ابْنُ زَنْجَوَيْهِ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مَعْدِلٌ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ عُمَرَ وَضَعَ إِلَى آخِرِهِ، وَمِنْ طَرِيقٍ آخَرَ رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ إِلَى أَبِي نُصْرَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَضَعَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، فِيمَا فُتِحَ مِنَ الْبِلَادِ، وَوَضَعَ عَلَى الْغَنِيِّ إِلَخْ. وَمِنْ طَرِيقٍ آخَرَ أَسْنَدَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ إِلَى حَارِثَةَ بْنِ مَضْرِبٍ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ، فَوَضَعَ عَلَيْهِمْ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ، وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَاثْنَيْ عَشَرَ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِلَا نَكِيرٍ، فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ. قَالَ: وَمَا رُوِيَ مِنْ وَضْعِ الدِّينَارِ عَلَى الْكُلِّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ صُلْحًا، فَإِنَّ الْيَمَنَ لَمْ يُفْتَحْ عَنْوَةً، بَلْ صُلْحًا، فَوَضَعَ عَلَى ذَلِكَ، وَبِهِ قُلْنَا، وَلِأَنَّ أَهْلَ الْيَمَنِ كَانُوا أَهْلَ فَاقَةٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ، فَفَرَضَ عَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْفُقَرَاءِ. يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُجَاهِدٍ قُلْتُ لِمُجَاهِدٍ: مَا شَأْنُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ؟ قَالَ: جُعِلَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الْيَسَارِ، قَالَ: ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ مِنَ الْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ وَالْفَقِيرِ، فَقِيلَ: إِنْ كَانَ لَهُ عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَهُوَ مُوسِرٌ، وَمَنْ كَانَ لَهُ مِائَتَانِ فَصَاعِدًا مَا لَمْ يَصِلْ إِلَى الْعَشَرَةَ فَمُتَوَسِّطٌ فَمَنْ كَانَ مُعْتَمِلًا أَيْ: مُكْتَسِبًا فَهُوَ مُعْسِرٌ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: وَيُنْظَرُ إِلَى عَادَةِ كُلِّ بَلَدٍ فِي ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ خَمْسِينَ أَلْفًا بِبَلْخٍ يُعَدُّ مِنَ الْمُكْثِرِينَ، وَفِي الْبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ لَا يُعَدُّ مُكْثِرًا. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَرْبَعَةِ ذَكَرَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ.

وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ، وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنَ الْبَقَرِ مَنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا، أَوْ تَبِيعَةً، وَمَنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمَنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا، أَوْ عَدْلَهُ مَعَافِرَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ» . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَهَذَا كَمَا تَرَى لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْحَالِمِ، وَفِي مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى أَنْ قَالَ: " وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ، أَوْ حَالِمَةٍ دِينَارًا، أَوْ عَدْلَهُ مَعَافِرَ ". وَكَانَ مَعْمَرٌ يَقُولُ: هَذَا غَلَطٌ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ شَيْءٌ، وَفِيهِ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ فِيهَا ذِكْرُ الْحَالِمَةِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَا نَرَى مَنْسُوخٌ إِذْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَوِلْدَانُهُمْ يُقْتَلُونَ مَعَ رِجَالِهِمْ، وَيُسْتَضَاءُ لِذَلِكَ بِمَا رَوَى الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ: «أَنَّ خَيْلًا أَصَابَتْ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ» . ثُمَّ أَسْنَدَ أَبُو عُبَيْدٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةٍ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ أَنَقْتُلُهُمْ مَعَهُمْ؟ قَالَ: " نَعَمْ فَإِنَّهُمْ مِنْهُمْ» ، ثُمَّ نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِمْ يَوْمَ خَيْبَرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>