قَالَ الْبَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: وَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مَعِيطٍ، خَرَجَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ وَهِيَ عَاتِقٌ، فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يُرْجِعْهَا إِلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} [الممتحنة: ١٠] إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: ١٠] قَالَ عُرْوَةُ: فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ وَكَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} [الممتحنة: ١٢] أَيْ: إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَهِيَ: {عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الممتحنة: ١٢] (فَمَنْ أَقَرَّتْ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْهُنَّ) أَيْ: قَبِلَتْهُ بِمَجْمُوعِهِ وَقَرَّرَتْهُ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ (قَالَ لَهَا: (قَدْ بَايَعْتُكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ (كَلَامًا) : نُصِبَ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرُ قَالَ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ (يُكَلِّمُهَا بِهِ) ، اسْتِئْنَافٌ، أَوْ صِفَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ التَّجَوُّزِ أَيْ: يُكَلِّمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَرْأَةَ الْمُقِرَّةَ بِذَلِكَ الْكَلَامِ وَيَعْقِدُهَا بِهِ، وَقِيلَ كَلَامًا نَصَبَهُ عَلَى الْحَالِ مِنْ مَفْعُولٍ قَالَ: وَالْحَاصِلُ لِأَنَّهَا تُرِيدُ أَنَّ مُبَايَعَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّسَاءَ كَانَتْ بِالْكَلَامِ لَهُنَّ لَا بِوَضْعِ الْيَدِ فِي أَيْدِيهِنَّ وَلِذَا قَالَتْ: (وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ) . احْتِرَازٌ مِنْ إِحْدَى نِسَائِهِ وَمَحَارِمِهِ فِي غَيْرِ حَالِ الْمُبَايَعَةِ. وَزَادَ الْبَغَوِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا مَا بَايَعَهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَمِرًا حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْحُدَيْبِيَةِ صَالَحَهُ مُشْرِكُو مَكَّةَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَتَاهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ وَمَنْ أَتَى أَهْلَ مَكَّةَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَنْ يَرُدُّوهُ عَلَيْهِ، وَكَتَبُوا عَلَيْهِ كِتَابًا، وَخَتَمُوا عَلَيْهِ فَجَاءَتْ سُبَيْعَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيَّةُ مُسْلِمَةً بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْكِتَابِ، فَأَقْبَلَ زَوْجُهَا مُسَافِرٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ صَيْفِيُّ بْنُ الْوَاهِبِ فِي طَلَبِهَا، وَكَانَ كَافِرًا فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ ارْدُدْ عَلَيَّ امْرَأَتِي فَإِنَّكَ قَدْ شَرَطْتَ أَنْ تَرُدَّ عَلَيْنَا مَنْ أَتَاكَ مِنَّا، وَهَذِهِ طِينَةُ الْكِتَابِ لَمْ تَجِفَّ بَعْدُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: ١٠] أَيْ: مِنْ دَارِ السَّلَامِ (فَامْتَحِنُوهُنَّ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: امْتِحَانًا أَنْ تُسْتَحْلَفَ مَا خَرَجَتْ لِبُغْضِ زَوْجِهَا، وَلَا عِشْقًا لِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا رَغْبَةً بِأَرْضٍ عَنْ أَرْضٍ، وَلَا لِحَدَثٍ أَحْدَثَتْ وَلَا الْتِمَاسَ الدُّنْيَا، وَلَا خَرَجَتْ إِلَّا حُبًّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَرَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ، فَاسْتَحْلَفَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، فَحَلَفَتْ فَلَمْ يَرُدَّهَا، وَأَعْطَى زَوْجَهَا مَهْرَهَا وَمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا، فَتَزَوَّجَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَذَا فِي الْمَعَالِمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute