يَعْنِي فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ (وَمَضَى الْأَجَلُ) أَيْ: قَرُبَ انْقِضَاءُ الْأَجَلِ، أَوْ شَارَفَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَاءَ الْأَجَلِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: ٢] وَلَا بُدَّ مِنْ وُرُودِ التَّأْوِيلِ لِئَلَّا يَلْزَمَ عَدَمُ الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ (أَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا: قُلْ لِصَاحِبِكَ: اخْرُجْ عَنَّا، فَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلِإِظْهَارِ كَرَاهَةِ الْمُشْرِكِينَ إِقَامَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا قَالُوا ذَلِكَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ خَوْفًا مِنْهُ وَإِظْهَارًا لِلشَّوْكَةِ وَالْغَلَبَةِ (فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ: قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ، أَوْ فِي ابْتِدَاءِ انْتِهَائِهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَزَادَ الْبُخَارِيُّ: فَتَبِعَتْهُ ابْنَةُ حَمْزَةَ تُنَادِي: يَا عَمِّ يَا عَمِّ فَتَنَاوَلْهَا عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: دُونَكِ بِنْتَ عَمِّكَ، فَحَمَلَتْهَا فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ. قَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَخَذْتُهَا وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي، فَقَالَ زَيْدٌ: بِنْتُ أَخِي، فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالَتِهَا، وَقَالَ: (الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ) الْحَدِيثَ. وَإِنَّمَا أَقَرَّهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَخْذِهَا مَعَ اشْتِرَاطِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ لَا يَخْرُجَ بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا أَرَادَ الْخُرُوجَ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَطْلُبُوهَا، هَذَا وَقَضِيَّةُ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ مُجْمَلًا عَلَى مَا فِي الْمَوَاهِبِ هُوَ مَا قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ: تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَهَلَّ ذُو الْقَعْدَةِ يَعْنِي سَنَةَ سَبْعٍ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَعْتَمِرُوا قَضَاءً لِعُمْرَتِهِمُ الَّتِي صَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ عَنْهَا بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَأَنْ لَا يَتَخَلَّفَ أَحَدٌ مِمَّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ، فَلَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْهُمْ إِلَّا رِجَالٌ مَاتُوا، وَخَرَجَ مَعَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَلْفَانِ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ وَسَاقَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سِتِّينَ بَدَنَةً، وَحَمَلَ السِّلَاحَ وَالْبَيْضَ وَالدُّرُوعَ وَالرِّمَاحَ وَقَادَ مِائَةَ فَرَسٍ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ قَدَّمَ الْخَيْلَ أَمَامَهُ عَلَيْهَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، وَقَدَّمَ السِّلَاحَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِ بِشْرُ بْنُ سَعْدٍ، وَأَحْرَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَبَّى، وَالْمُسْلِمُونَ يُلَبُّونَ مَعَهُ، وَمَضَى مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ فِي الْخَيْلِ إِلَى مَرِّ الظَّهْرَانِ فَوَجَدَ بِهَا نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ هَذَا الْمَنْزِلَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَأَتَوْا قُرَيْشًا فَأَخْبَرُوهُمْ فَفَزِعُوا، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ وَقَدَّمَ السِّلَاحَ إِلَى بَطْنِ يَأْجَجَ كَيَسْمَعُ وَيُبْصِرُ وَيَضْرِبُ مَوْضِعٌ بِمَكَّةَ حَيْثُ يَنْظُرُ إِلَى نِصَابِ الْحَرَمِ، وَخَلَّفَ عَلَيْهِ أَوْسَ بْنَ خَوْلِيٍّ الْأَنْصَارِيَّ فِي مِائَتَيْ رَجُلٍ، وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ إِلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ، وَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدْيَ أَمَامَهُ، فَحُبِسَ بِذِي طُوًى، وَخَرَجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ، وَالْمُسْلِمُونَ مُتَوَشِّحُونَ السُّيُوفَ مُحْدِقُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُلَبُّونَ، فَدَخَلَ فِي الثَّنِيَّةِ الَّتِي تُطْلِعُهُ عَلَى الْحَجُونِ، وَابْنُ رَوَاحَةَ آخِذًا بِزِمَامٍ رَاحِلَتِهِ، وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيَّ فِي الشَّمَائِلِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ دَخَلَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَابْنُ رَوَاحَةَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ:
خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ الْيَوْمَ نَضْرِبُكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ ... ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا ابْنَ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ شِعْرًا، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «خَلِّ عَنْهُ يَا عُمَرُ فَلَهِيَ أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ» ) قَالُوا: وَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي حَتَّى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ مُضْطَبِعًا بِثَوْبِهِ، وَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَالْمُسْلِمُونَ يَطُوفُونَ مَعَهُ، وَقَدِ اضْطَبَعُوا بِثِيَابِهِمْ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: ارْمُلُوا لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُمْ، وَالْمُشْرِكُونَ مِنْ قِبَلَ قُعَيْقِعَانَ وَهُوَ جَبَلٌ بِمَكَّةَ وَجْهُهُ إِلَى أَبِي قُبَيْسٍ، ثُمَّ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَلَى رَاحِلَتِهِ. فَلَمَّا كَانَ الطَّوَافُ السَّابِعُ عِنْدَ فَرَاغِهِ وَقَدْ وَقَفَ الْهَدْيُ عَنِ الْمَرْوَةِ وَقَالَ: ( «هَذَا الْمَنْحَرُ وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ» ) فَنَحَرَ عِنْدَ الْمَرْوَةِ وَحَلَقَ هُنَاكَ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ الْمُسْلِمُونَ، وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا مِنْهُمْ إِلَى أَصْحَابِهِمْ بِبَطْنِ يَأْجَجَ فَيُقِيمُوا السِّلَاحَ، وَيَأْتِيَ الْآخَرُونَ فَيَقْضُوا نُسُكَهُمْ فَفَعَلُوا، وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ يَعْنِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَخَرَجَ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَة السَّكِينَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute