للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

خَيْلًا وَلَا رِكَابًا وَلَا تَعِبْتُمْ فِي الْقِتَالِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا مَشَيْتُمْ إِلَيْهِ عَلَى أَرْجُلِكُمْ ; لِأَنَّهُ عَلَى مِيلَيْنِ مِنَ الْمَدِينَةِ وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى حِمَارٍ فَحَسْبُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ أَيْ: يَقْذِفُ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِكُمْ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَا خَوَّلَ اللَّهُ رَسُولَهُ مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ شَيْءٌ لَمْ تُحَصِّلُوهُ بِالْقِتَالِ وَالْغَلَبَةِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّطَهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ، كَمَا كَانَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، فَالْأَمْرُ مُفَوَّضٌ إِلَيْهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ وَلَا يَقْسِمُهُ قِسْمَةَ الْغَنَائِمِ الَّتِي قُوتِلَ عَلَيْهَا وَأُخِذَتْ عَنْوَةً وَقَهْرًا، فَقَسَمَهَا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا إِلَّا ثَلَاثَةً مِنْهُمْ لِفَقْرِهِمْ ذَكَرَهُ فِي الْمَدَارِكِ وَغَيْرِهِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فَيَفْعَلُ مَا يُرِيدُ تَارَةً بِالْوَسَائِطِ الظَّاهِرَةِ، وَتَارَةً بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ الْبَاهِرَةِ، وَمَرَّةً يَحْكُمُ عَامًّا وَأُخْرَى خَاصًّا عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ الْحِكْمَةُ وَتَعَلَّقَتْ بِهِ الْمَشِيئَةُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالْآيَةُ عَلَى هَذَا مُجْمَلَةٌ بَيَّنَتْهَا الْآيَةُ الثَّانِيَةُ وَهَى {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الحشر: ٧] وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى نَزَلَتْ فِي أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ، وَقَدْ جَعَلَهَا لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً، وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي غَنَائِمِ كُلِّ قَرْيَةٍ تُؤْخَذُ بِقُوَّةِ الْغُزَاةِ، وَفِي الْآيَةِ بَيَانُ مَصْرِفِ خُمُسِهَا فَهِيَ مُبْتَدَأٌ لَا بَيَانِيَّةٌ (فَكَانَتْ هَذِهِ) أَيِ: الْأَمْوَالُ الْحَاصِلَةُ مِنَ الْفَيْءِ (خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ: لَيْسَ لِلْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ أَنْ يَتَصَرَّفُوا فِيهَا تَصَرُّفًا بَلْ عَلَيْهِمْ أَنْ يَضَعُوهَا فِي فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَفِيمَا يَجْرِي مَجْرَى ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنَ الشُّرَّاحِ (يُنْفِقُ) (سَنَتِهِمْ) : قَالَ السُّيُوطِيُّ: لَا يُعَارِضُهُ خَبَرُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ ; لِأَنَّ الِادِّخَارَ لِنَفْسِهِ وَهَذَا لِغَيْرِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فِي جَوَازِ ادِّخَارِ قُوتِ سَنَةٍ وَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي التَّوَكُّلِ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الِادِّخَارِ فِيمَا يَحْصُلُ مِنْ قَرْيَتِهِ وَأَمَّا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنَ السُّوقِ وَيَدَّخِرَ لِعِيَالِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ ضِيقِ الطَّعَامِ لَمْ يَجُزْ بَلْ يَشْتَرِي قُوتَ أَيَّامٍ، أَوْ أَشْهُرَ اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ قَدْرَ كِفَايَتِهِ إِلَى حُصُولِ الزَّرْعِ قِيَاسًا عَلَى الِادِّخَارِ سَنَةً (مِنْ هَذَا الْمَالِ) قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ: فَكَانَتْ هَذِهِ الْمُشَارُ إِلَيْهِ الْفَيْءَ بِاعْتِبَارِ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنَّمَا كَرَّرَ قَوْلَهُ مِنْ هَذَا الْمَالِ لِبَيَانِ أَنَّ نَفَقَتَهُ كَانَتْ مِنْهُ فَقَوْلُهُ: يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ اسْتِئْنَافٌ بَيَانًا لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ تَفْصِيلًا لِلْإِجْمَالِ، كَمَا فِي الْآيَةِ (ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ) أَيْ: يَصْرِفُهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ السِّلَاحِ وَالْخَيْلِ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ أَيْ: يَقْسِمُ مِنْهُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَهْمٌ لِأَقْرِبَائِهِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَسَهْمٌ لِلْيَتَامَى، وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٌ لِابْنِ السَّبِيلِ. وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ لَا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِهِ، وَإِنَّمَا تَبِعَ النَّوَوِيَّ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ لَهُ فِي الْفَيْءِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ وَخُمُسُ خُمُسِ الْبَاقِي، وَكَانَ لَهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ سَهْمًا مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ لِذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَفِي الْمَعَالِمِ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَصْرِفِ الْفَيْءِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ لِلْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا هُوَ لِلْمُقَاتِلَةِ وَالثَّانِي لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَيُبْدَأُ بِالْمُقَاتِلَةِ، ثُمَّ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ مِنَ الْمَصَالِحِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَخْمِيسِ مَالِ الْفَيْءِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُخَمَّسُ فَخُمُسُهُ لِأَهْلِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ وَأَرْبَعُ أَخْمَاسِهِ لِلْمُقَاتِلَةِ، أَوْ لِلْمَصَالِحِ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ لَا يُخَمُّسُ، بَلْ مَصْرِفُ جَمِيعِهِ وَاحِدٌ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ حَقٌّ. قَرَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الحشر: ٧] حَتَّى بَلَغَ {لِلْفُقَرَاءِ وَالْمُهَاجِرِينَ - الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: ٨ - ١٠] ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ اسْتَوْعَبَتِ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً وَقَالَ: مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُسْلِمٌ إِلَّا لَهُ فِي هَذَا الْفَيْءِ حَقٌّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

وَفِي الْمَعَالِمِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ يَعْنِي: الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ الْبَصْرِيُّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ دَعَاهُ إِذْ جَاءَ حَاجِبُهُ يَرْفَأُ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ يَسْتَأْذِنُونَ؟ قَالَ نَعَمْ، فَأَدْخِلْهُمْ فَلَبِثَ قَلِيلًا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ يَسْتَأْذِنَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ فَلَمَّا دَخَلَا قَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا وَمَا يَخْتَصِمَانِ فِي الْفَيْءِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ فَقَالَ الرَّهْطُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الْآخَرِ. قَالَ اهْدَءُوا أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>