عَلَى صِفَةٍ مِنَ الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ وَالتُّقَى وَالْعِفَّةِ وَحُسْنِ السِّيرَةِ لَا سِيَّمَا أَيَّامَ وِلَايَتِهِ قِيلَ لَمَّا أَفْضَتْ إِلَيْهِ الْخِلَافَةُ سُمِعَ مِنْ مَنْزِلِهِ بُكَاءٌ عَالٍ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا: إِنَّ عُمَرَ خَيَّرَ جَوَارِيهِ فَقَالَ: نَزَلَ بِي مَا شَغَلَنِي عَنْكُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ أُعْتِقَهُ أَعْتَقْتُ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ أُمْسِكَهُ أَمْسَكْتُ وَلَمْ يَكُنْ لِي إِلَيْهَا شَيْءٌ وَسَأَلَ عُقْبَةُ بْنُ نَافِعٍ زَوْجَتَهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ أَلَا تُخْبِرِينِي عَنْ عُمَرَ؟ فَقَالَتْ مَا أَعْلَمُ أَنَّهُ اغْتَسَلَ لَا مِنْ جَنَابَةٍ وَلَا مِنَ احْتِلَامٍ مُنْذُ اسْتَخْلَفَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ وَقَالَتْ قَدْ يَكُونُ فِي الرِّجَالِ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ صَلَاةً وَصِيَامًا مِنْ عُمَرَ وَلَكِنِّي لَمْ أَرَ مِنَ النَّاسِ أَحَدًا قَطُّ أَشَدَّ خَوْفًا مِنْ رَبِّهِ مِنْهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي مَسْجِدِهِ فَلَا يَزَالُ يَبْكِي وَيَدْعُو حَتَّى تَغْلِبَهُ عَيْنَاهُ، ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ وَيَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ لَيْلَهُ أَجْمَعَ، وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ ظَاهِرَةٌ وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّهُ (جَمَعَ بَنِي مَرْوَانَ حِينَ اسْتُخْلِفَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: جُعِلَ خَلِيفَةً (فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ لَهُ فَدَكُ) أَيْ: خَاصَّةً (فَكَانَ يُنْفِقُ مِنْهَا) أَيْ: عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ (وَيَعُودُ مِنْهَا عَلَى صَغِيرِ بَنِي هَاشِمٍ) أَيْ: يُحْسِنُ مِنْهَا عَلَى صِغَارِهِمْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كُلَّمَا فَرَغَ نَفَقَتُهُمْ رَجَعَ عَلَيْهِمْ وَعَادَ إِلَيْهِمْ بِنَفَقَةٍ أُخْرَى فَالْعَائِدَةُ أَخَصُّ مِنَ الْفَائِدَةِ فِي أَسَاسِ الْبَلَاغَةِ يُقَالُ عَادَ فُلَانٌ بِمَعْرُوفِهِ وَهَذَا الْأَمْرُ أَعْوَدُ عَلَيْكَ أَيْ: أَرْفَقُ بِكَ مِنْ غَيْرِهِ وَمَا أَكْثَرُ عَائِدَةُ فُلَانٍ عَلَى قَوْمِهِ وَإِنَّهُ لِكَثِيرُ الْعَوَائِدِ عَلَيْهِمْ (وَيُزَوِّجُ مِنْهَا أَيِّمَهُمْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ: عُزَّابُهُمْ فِي الْقَامُوسِ: الْأَيِّمُ كَكَيِّسُ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا، أَوْ ثَيِّبًا وَمَنْ لَا امْرَأَةَ لَهُ. (وَإِنَّ فَاطِمَةَ سَأَلَتْهُ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهَا فَأَبَى فَكَانَتْ كَذَلِكَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ) أَيْ: لِمَا هَيَّأَهُ اللَّهُ مِنَ النَّعِيمِ وَالْكَرَامَةِ وَالْوُصُولِ إِلَى لِقَائِهِ تَعَالَى ذَكَرُهُ الطِّيبِيُّ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّهُ قَالَ حَتَّى ذَهَبَ الرَّسُولُ بَعْدَ تَبْلِيغِ كَمَالِ الرِّسَالَةِ لِسَبِيلِهِ الَّذِي جَاءَ مِنْهُ إِلَى رَبِّهِ وَمُرْسِلِهِ (فَلَمَّا أَنْ وُلِّيَ) بِضَمٍّ فَتَشْدِيدٍ مَكْسُورٍ أَيْ: تَوَلَّى (أَبُو بَكْرٍ، عَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِهِ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ) أَيْ: مَاتَ وَرَجَعَ إِلَى حُكْمِ رَبِّهِ (فَلَمَّا أَنْ وُلِّيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَمِلَ فِيهِ بِمِثْلِ مَا عَمِلَا حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ، ثُمَّ اقْتَطَعَهَا مَرْوَانُ) أَيْ: فِي زَمَنِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَالْمَعْنَى جَعَلَهَا قَطِيعَةً لِنَفْسِهِ وَتَوَابِعِهِ، وَالْقَطِيعَةُ الطَّائِفَةُ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ يُقْطِعُهَا السُّلْطَانُ مَنْ يُرِيدُ، وَمَرْوَانُ هُوَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ جَدُّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وُلِدَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَى أَبَاهُ إِلَى الطَّائِفِ فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى وُلِّيَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَرَدَّهُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَدِمَهَا وَابْنُهُ مَعَهُ (ثُمَّ صَارَتْ) أَيِ: الْوَلَايَةُ، أَوْ فَدَكُ (لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ) : وُضِعَ مَوْضِعَ إِلَيَّ مُلْتَفِتًا لِيُشْعِرَ بِأَنَّ نَفْسَهُ غَيْرُ رَاضِيَةٍ بِهَذَا (فَرَأَيْتُ أَمْرًا مَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ) أَيْ: لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا اسْتِحْقَاقٌ وَلَوْ كَانَ خَلِيفَةً فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ (وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي رَدَدْتُهَا) أَيْ: فَدَكَ عَلَى مَا كَانَتْ (يَعْنِي) أَيْ: يُرِيدُ عُمَرَ بِقَوْلِهِ (عَلَى مَا كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute