٤٠٧٣ - وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٤٠٧٣ - (وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ) أَيِ: الْأَنْصَارِيِّ (رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ) أَيْ: تَكَاثَرَ خَيْرُهُ وَبِرُّهُ (وَتَعَالَى) أَيْ: تَعَظَّمُ شَأْنُهُ وَبُرْهَانُهُ (كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) : إِلَى كُلِّ شَيْءٍ، أَوْ عَلَى بِمَعْنَى فِي أَيْ: أَمَرَكُمْ بِالْإِحْسَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} [القصص: ١٥] وَقَدْ قَالَ شَارِحٌ أَيْ: كَتَبَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ اهـ. وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْعُمُومُ الشَّامِلُ لِلْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةٌ لِلْعَالَمِينَ وَأَنَّهُ بُعِثَ لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَأَنَّ لِأُمَّتِهِ نَصِيبًا وَحَظًّا مِنْ هَذَا الْوَصْفِ بِمُتَابَعَتِهِ، وَلِذَا أَتَى بِالِاسْمِ الْجَامِعِ، وَلَمْ يَقُلْ أَنَّهُ الرَّحْمَنَ مَعَ أَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ رَحْمَتِهِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ: أَوْجَبَ مُبَالَغَةً ; لِأَنَّ الْإِحْسَانَ هُنَا مُسْتَحَبٌّ وَضَمَّنَ الْإِحْسَانَ مَعْنَى التَّفْضِيلِ وَعَدَّاهُ بِعَلَى، وَالْمُرَادُ بِالتَّفَضُّلِ إِرَاحَةُ الذَّبِيحَةِ بِتَحْدِيدِ الشَّفْرَةِ وَتَعْجِيلِ إِمْرَارِهَا وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الشُّمُنِّيُّ: عَلَى هُنَا بِمَعْنَى اللَّامِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِحْسَانِ، أَوْ بِكَتَبَ، وَلَا بُدَّ مِنْ عَلَى أُخْرَى مَحْذُوفَةٍ. بِمَعْنَى الِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ مُتَعَلِّقَةٌ بِكَتَبَ، وَالتَّقْدِيرُ كَتَبَ عَلَى النَّاسِ الْإِحْسَانَ لِكُلِّ شَيْءٍ، (فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ) : بِكَسْرِ الْقَافِ الْحَالَةُ الَّتِي عَلَيْهَا الْقَاتِلُ فِي قَتْلِهِ كَالْجِلْسَةِ وَالرِّكْبَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْمُسْتَحِقَّةُ قِصَاصًا، أَوْ حَدًّا، وَالْإِحْسَانُ فِيهَا اخْتِيَارُ أَسْهَلِ الطُّرُقِ وَأَظُنُّهَا أَقَلَّهَا إِيلَامًا (وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ) : قَالَ النَّوَوِيُّ: يُرْوَى بِفَتْحِ الذَّالِ وَبِغَيْرِ هَاءٍ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا بِكَسْرِ الذَّالِ وَبِالْهَاءِ كَالْقِتْلَةِ (وَلْيُحِدَّ) : بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا (أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ) : بِفَتْحِ الشِّينِ أَيْ: سِكِّينَتَهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُحِدَّ بِحَضْرَةِ الذَّبِيحَةِ وَلَا يَذْبَحَ وَاحِدَةً بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى وَلَا يَجُرَّهَا إِلَى مَذْبَحِهَا (وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ) : بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ: لِيَتْرُكْهَا حَتَّى تَسْتَرِيحَ وَتَبْرُدَ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَرَاحَ الرَّجُلُ إِذَا رَجَعَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ بَعْدَ الْإِعْيَاءِ، وَالِاسْمُ الرَّاحَةُ، وَهَذَانِ الْفِعْلَانِ كَالْبَيَانِ لِلْإِحْسَانِ فِي الذَّبْحِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: الْحَدِيثُ عَامٌّ فِي كُلِّ قَتْلٍ مِنَ الذَّبَائِحِ وَالْقَتْلِ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْجَوَامِعِ اهـ.
وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَكُرِهَ السَّلْخُ قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ وَكُلُّ تَعْذِيبٍ بِلَا فَائِدَةٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلِمَا أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَهَا وَهُوَ يُحِدُّ شَفْرَتَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَتَيْنِ؟ هَلَّا حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا؟» . قَالُوا: وَكُرِهَ النَّخْعُ بِنُونٍ فَمُعْجَمَةٍ فَمُهْمَلَةٍ، وَهُوَ أَنْ يَبْلُغَ السِّكِّينُ النُّخَاعَ وَهُوَ عِرْقٌ أَبْيَضُ فِي جَوْفِ عَظْمِ الرَّقَبَةِ، لِمَا أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الذَّبِيحَةِ أَنْ تُفْرَسَ» . وَفِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ: الْفَرْسُ أَنْ تُذْبَحَ الشَّاةُ فَتُنْخَعَ، وَقِيلَ مَعْنَى النَّخْعِ أَنْ يَمُدَّ رَأْسَهُ حَتَّى يَظْهَرَ مَذْبَحُهُ، وَقِيلَ أَنْ يَكْسِرَ عُنُقَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْكُنَ الِاضْطِرَابُ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ بِلَا فَائِدَةٍ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ الشُّمُنِّيُّ: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute