للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثَبَتَ أَنَّهُ صَحِيحٌ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِينَ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى قَوْلِ أَحَدٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ حَدِيثَ مُعَارِضِهِ أَصَحُّ لِعُرُوضِ الْفَسَادِ فِي الْإِسْنَادِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَخْتَصُّ بِإِسْنَادِهِ، وَمِنَ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ دَلِيلُ الْحُرْمَةِ وَالْإِبَاحَةِ فَتَتَرَجَّحُ الْحُرْمَةُ احْتِيَاطًا، وَأَمَّا دَعْوَى النَّسْخِ مَعَ كَوْنِهَا مُشْتَرَكَةً فَتَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِ التَّارِيخِ مِنْ تَقْدِيمِ أَحَدِهَا عَلَى الْآخَرِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ، ثُمَّ ظَاهِرُ الْآيَةِ مِنْ إِدْرَاجِ الْخَيْلِ مَعَ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ يُقَوِّي الْحَدِيثَ وَيُؤَيِّدُهُ، وَمِمَّا يُؤَكِّدُهُ كَوْنُهَا آلَةً لِلْجِهَادِ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: ٦٠] وَقَدْ أَقْسَمَ بِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} [العاديات: ١] وَهِيَ خَيْلُ الْغَزْوِ الَّتِي تَعْدُو فَتَصِيحُ أَيْ تُصَوِّتُ بِأَجْوَافِهَا، فَلَا يُلَائِمُ أَنْ تَكُونَ مِمَّا يُذْبَحُ فَيُؤْكَلُ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْوِي نَاصِيَةَ فَرَسٍ وَهُوَ يَقُولُ: (الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» : الْأَجْرُ وَالْغَنِيمَةُ) . وَمَعْنَى عَقْدِ الْخَيْرِ بِنَوَاصِيهَا أَنَّهُ مُلَازِمٌ لَهَا كَأَنَّهُ مَعْقُودٌ فِيهَا، وَالْمُرَادُ بِالنَّاصِيَةِ هُنَا الشَّعْرُ الْمُسْتَرْسِلُ عَلَى الْجَبْهَةِ عَلَى مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالُوا: وَكَنَّى بِالنَّاصِيَةِ عَنْ جَمِيعِ ذَاتِ الْفَرَسِ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ بَعْدَ النِّسَاءِ مِنَ الْخَيْلِ» .

وَرُوِيَ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوَّلُ مَنْ رَكِبَهَا، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْعِرَابَ، وَكَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَحْشِيًّا كَسَائِرِ الْوُحُوشِ، فَلَمَّا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لِإِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ بِرَفْعِ الْقَوَاعِدِ مِنَ الْبَيْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (إِنِّي مُعْطِيكُمَا كَنْزًا ادَّخَرْتُهُ لَكُمَا) ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى إِسْمَاعِيلَ أَنِ اخْرُجْ فَادْعُ بِذَلِكَ الْكَنْزِ، فَخَرَجَ إِلَى أَجْيَادٍ وَكَانَ لَا يَدْرِي مَا الدُّعَاءُ وَالْكَنْزُ، فَأَلْهَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الدُّعَاءَ، فَلَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَرَسٌ إِلَّا أَجَابَتْهُ فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَوَاصِيهَا وَتَذَلَّلَتْ لَهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «ارْكَبُوا الْخَيْلَ فَإِنَّهَا مِيرَاثُ أَبِيكُمْ إِسْمَاعِيلَ» ) وَلَعَلَّ حَدِيثَ الْإِبَاحَةِ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، كَمَا فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا قَالَ بِكَرَاهَةِ لَحْمِ الْخَيْلِ وَالْمُرَجَّحُ مِنْ مَذْهَبِهِ التَّحْرِيمُ، وَأَمَّا لَحْمُ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ الْأَهْلِيَّةِ فَحَرَامٌ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ، وَاخْتَلَفُوا عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْهُ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ مُغَلَّظَةٌ، وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ مُحَقِّقِي أَصْحَابِهِ التَّحْرِيمُ، وَحُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَكْلُ لَحْمِ الْبِغَالِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِبَاحَةُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>