الْفَصْلُ الثَّانِي
٢٩٢ - عَنْ ثَوْبَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ) رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ.
ــ
٢٩٢ - (عَنْ ثَوْبَانَ) : مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ ثَوْبَانُ بْنُ بُجْدُدٍ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْأُولَى، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، اشْتَرَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْتَقَهُ وَلَمْ يَزَلْ مَعَهُ سَفَرًا وَحَضَرًا إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَنَزَلَ إِلَى الرَّمْلَةِ ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى حِمْصَ وَتُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ رَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَقِيمُوا) : قَالَ الْقَاضِي: الِاسْتِقَامَةُ اتِّبَاعُ الْحَقِّ وَالْقِيَامُ بِالْعَدْلِ وَمُلَازِمَةُ الْمَنْهَجِ الْمُسْتَقِيمِ وَذَلِكَ خَطْبٌ جَسِيمٌ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْأَمْرُ بِالْمُسْتَطَاعِ مِنْهُ قَالَ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] وَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ (وَلَنْ تُحْصُوا) : أَيْ: لَنْ تُطِيقُوا أَنْ تَسْتَقِيمُوا حَقَّ الِاسْتِقَامَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ خَطْبٌ عَظِيمٌ وَتَوْفِيَةُ حَقِّهَا عَلَى الدَّوَامِ عُسْرٌ، وَكَانَ الْقَصْدُ فِيهِ التَّنْبِيهَ لِلْمُكَلَّفِينَ عَلَى رُؤْيَةِ التَّقْصِيرِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَتَحْرِيضِهِمْ عَلَى الْجِدِّ لِكَيْلَا يَتَّكِلُوا عَلَى مَا يَأْتُونَ بِهِ وَلَا يَغْفَلُونَ عَنْهُ، وَلَا يَيْأَسُوا مِنْ رَحْمَتِهِ فِيمَا يَذَرُونَ عَجْزًا لَا تَقْصِيرًا، وَقِيلَ: لَنْ تُحْصُوا أَيْ ثَوَابَهَا مِنَ الْإِحْصَاءِ وَهُوَ الْعَدُّ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْإِحْصَاءُ التَّحْصِيلُ بِالْعَدِّ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَصَى لِاسْتِعْمَالِهِمْ ذَلِكَ فِيهِ كَاعْتِمَادِنَا عَلَى الْأَصَابِعِ اهـ.
وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَنْ تُطِيقُوا وَلَكِنِ ابْذُلُوا جُهْدَكُمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ بِقَدْرِ مَا تُطِيقُونَ، وَهُوَ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفِينَ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَبْذُلُ جُهْدَهُ يَصِلُ إِلَى غَايَتِهَا (وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ) أَيْ أَفْضَلُهَا وَأَتَمُّهَا دَلَالَةً عَلَى الِاسْتِقَامَةِ (الصَّلَاةُ) : أَيِ: الْمَكْتُوبَةُ: أَوْ جِنْسُهَا لِأَنَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ عِبَادَةٍ شَيْئًا كَالْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ وَتَرْكِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهِيَ أُمُّ الْعِبَادَاتِ وَنَاهِيَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ (وَلَا يُحَافِظُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: جُمْلَةٌ تَذْيِيلِيَّةٌ أَيْ لَا يُوَاظِبُ (عَلَى الْوُضُوءِ) حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لِيَشْمَلَ حَالَةَ النَّوْمِ (إِلَّا مُؤْمِنٌ) : الْمُرَادُ الْجِنْسُ وَالتَّنْوِينُ لِلتَّعْظِيمِ أَيْ: لَا يُدَاوِمُ عَلَيْهِ إِلَّا مُؤْمِنٌ كَامِلٌ فِي إِيمَانِهِ دَائِمُ الشُّهُودِ بِقَلْبِهِ وَبَدَنِهِ فِي حَضْرَةِ رَبِّهِ، لِأَنَّ الْحُضُورَ فِي الْحَضْرَةِ الْقُدْسِيَّةِ بِدُونِ الطَّهَارَةِ الْحِسِّيَّةِ بَعِيدٌ مِنَ الْآدَابِ، بَلْ صَاحِبُهُ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُطْرَدَ مِنَ الْبَابِ (رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ) : وَكَذَا الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنْ ثَوْبَانَ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو، وَالطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُبَادَةَ وَلَفْظُهُمَا: ( «اسْتَقِيمُوا وَنِعِمَّا إِنِ اسْتَقَمْتُمْ وَخَيْرُ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ» ) الْحَدِيثَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute