فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ الْمَضْمَضَةُ الْمَصْمَصَةُ، وَقِيلَ الْمُهْمَلَةُ بِطَرَفِ اللِّسَانِ وَالْمُعْجَمَةُ بِالْفَمِ كُلِّهِ وَفِي الْقَامُوسِ الْمَضْمَضَةُ أَيْ بِالْمُعْجَمَةِ تَحْرِيكُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ، فَزِيَادَةُ النُّقْطَةِ لِإِفَادَةِ النُّكْتَةِ، فَالتَّعْبِيرُ بِالْمَضْمَضَةِ يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ فِي التَّطْهِيرِ (خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ فِيهِ) : أَيْ: بَعْضُ الْخَطَايَا أَوِ الْخَطَايَا الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْفَمِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِالصَّغَائِرِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِذَا اسْتَنْثَرَ) : أَيْ: غَسَلَ أَنْفَهُ وَبَالَغَ فِي الِاسْتِنْشَاقِ قَالَ الطِّيبِيُّ: خُصَّ الِاسْتِنْثَارُ لِأَنَّ الْقَصْدَ خُرُوجُ الْخَطَايَا وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِلِاسْتِنْثَارِ لِأَنَّهُ إِخْرَاجُ الْمَاءِ مِنْ أَقْصَى الْأَنْفِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيَخْدِشُهُ التَّعْبِيرُ بِالْمَضْمَضَةِ وَهِيَ لَا تَسْتَلْزِمُ إِخْرَاجَ مَاءٍ لِحُصُولِ أَصْلِ سُنَّتِهَا وَإِنِ ابْتَلَعَهُ فَيُسْتَفَادُ مِنْهَا حُصُولُ التَّكْفِيرِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ، وَكَذَا الِاسْتِنْشَاقُ فَالتَّعْبِيرُ بِالِاسْتِنْثَارِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِأَنَّهُ الْغَايَةُ الْمَطْلُوبَةُ مِنَ الِاسْتِنْشَاقِ، إِذْ هُوَ إِخْرَاجُ الْمَاءِ مِنْ أَقْصَى الْأَنْفِ الْمُسْتَلْزِمِ لِمَزِيدِ تَنْظِيفِهِ مِنْ أَقْذَارِهِ الَّتِي لَا يُسْتَقْصَى إِخْرَاجُهَا كُلُّهَا إِلَّا بِهِ اهـ.
وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ كَلَامَ الطِّيبِيِّ لَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ، بَلْ هُوَ عَيْنُهُ مَعَ زِيَادَةِ النُّكْتَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِلْمَقَامِ، وَلَا يَلْزَمُ اطِّرَادُهَا مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى النَّاسِ فِي الْمَضْمَضَةِ إِخْرَاجَ الْمَاءِ مِنَ الْفَمِ اكْتُفِيَ بِهِ بِخِلَافِ الِاسْتِنْشَاقِ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالِاسْتِنْثَارِ (خَرَجَتِ الْخَطَايَا) : كَشَمِّ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ (مِنْ أَنْفِهِ) : أَيْ مَعَ الْمَاءِ (وَإِذَا) : وَفِي نُسْخَةٍ: بِالْفَاءِ ( «غَسَلَ وَجْهَهُ، خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ وَجْهِهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ» ) : أَيْ: أَهْدَابِهِمَا. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَرَّ أَنَّ الْخَطَايَا إِنَّمَا تَخْرُجُ مِنْ عَيْنَيْهِ فَقَطْ، وَجَعْلُ الْخُرُوجِ مِنْهَا هُنَا غَايَةً يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَا هُنَا عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ إِنِ اكْتَسَبَ بِمَا عَدَا فَمِهِ وَأَنْفِهِ وَعَيْنِهِ مِنْ بَقِيَّةِ وَجْهِهِ خَطِيئَةً خَرَجَتْ بِغَسْلِهِ اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُلَائِمُهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَقُولَ مِنْ ذَقْنِهِ (فَإِذَا) : هُنَا وَفِيمَا بَعْدَ الْفَاءِ لَا غَيْرَ (غَسَلَ يَدَيْهِ) : أَيْ: إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ ( «خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ يَدَيْهِ. فَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ» ) ظَاهِرُهُ الِاسْتِيعَابُ ( «خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ» ) بِضَمِّ الذَّالِ وَسُكُونِهَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّ الْأُذُنَيْنِ مِنَ الرَّأْسِ وَأَنَّهُمَا يُمْسَحَانِ بِمَائِهِ لَا بِمَاءٍ جَدِيدٍ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَتَكَلَّفَ لَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِمَا يَنْبُو عَنْهُ السَّمْعُ (فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ) : أَيْ: إِلَى الْكَعْبَيْنِ ( «خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رِجْلَيْهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ رِجْلَيْهِ. ثُمَّ كَانَ مَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَصَلَاتُهُ» ) : سَوَاءٌ كَانَتْ فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً (نَافِلَةً لَهُ) أَيْ: زَائِدَةً عَلَى تَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ وَهِيَ لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ. أَوْ زَائِدَةً عَنْ تَكْفِيرِ سَيِّئَاتِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَهِيَ لِسَيِّئَاتٍ أُخَرَ إِنْ وُجِدَتْ وَإِلَّا فَلِتَخْفِيفِ الْكَبَائِرِ ثُمَّ لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِيمَا سَبَقَ (رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالنَّسَائِيُّ) . قَالَ ابْنُ حَجَرٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute