للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٢٩٩ - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ بِالسُّجُودِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، فَأَنْظُرُ إِلَى مَا بَيْنَ يَدِي فَأَعْرِفُ أُمَّتِي مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ، وَمِنْ خَلْفِي مِثْلُ ذَلِكَ، وَعَنْ يَمِينِي مِثْلُ ذَلِكَ، وَعَنْ شِمَالِي مِثْلُ ذَلِكَ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَعْرِفُ أُمَّتَكَ مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ إِلَى أُمَّتِكَ؟ قَالَ: هُمْ غُرٌّ مُحَجَّلُونَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، لَيْسَ أَحَدٌ كَذَلِكَ غَيْرَهُمْ، وَأَعْرِفُهُمْ أَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، وَأَعْرِفُهُمْ تَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ذُرِّيَّتُهُمْ» ) . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

ــ

٢٩٩ - (وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ) : بِالْهَمْزِ وَيُبَدَّلُ (بِالسُّجُودِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ رُوحَهُ أَوْ نُورَهُ (وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ) إِشَارَةً إِلَى مَقَامِ الشَّفَاعَةِ كَمَا وَرَدَ فِي قَوْلِهِ: (فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا) إِلَى قَوْلِهِ: (فَيَقُولُ لِيَ ارْفَعْ مُحَمَّدُ) (فَأَنْظُرُ) : الْفَاءُ فَصِيحَةٌ، أَوْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَنْظُرُ (إِلَى مَا بَيْنَ يَدَيَّ) : أَيْ قُدَّامِي (فَأَعْرِفُ) : أَيْ: أُمَيِّزُ لِيَسْتَقِيمَ تَعَلُّقُ مَنْ بِهِ (أُمَّتِي) : أَيِ: الَّذِينَ أَجَابُوا (مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ وَمِنْ خَلْفِي) : أَيْ: وَأَنْظُرُ مِنْ وَرَائِي (مِثْلَ ذَلِكَ) : بِالنِّصْفِ أَيْ: فَأَعْرِفُ أُمَّتِي وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ جُمْلَةٌ مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَجْمُوعِ الْجُمْلَتَيْنِ قَبْلَهَا خِلَافَ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ تَقْدِيرِنَا (وَعَنْ يَمِينِي مِثْلُ ذَلِكَ، وَعَنْ شِمَالِي مِثْلُ ذَلِكَ) يَعْنِي مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى كَثْرَتِهِمْ وَتَفَاوُتِ مَرَاتِبِهِمْ «فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ تَعْرِفُ أُمَّتَكَ مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ» ) : أَيْ: سَائِرِهِمْ (فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ) : بَيَانٌ لِلْأُمَمِ حَالٌ مِنْهُ أَيِ: الْأُمَمُ كَائِنَةٌ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ، وَلَوْ قِيلَ: هُوَ ظَرْفٌ لِـ " تَعْرِفُ " لَرَجَعَ الْمَعْنَى كَيْفَ تَعْرِفُ أُمَّتَكَ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ؟ وَلَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ مِنَ الْأُمَمِ مَعْنًى، وَإِنَّمَا خَصَّ نُوحًا مَعَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَآدَمَ وَشِيثٍ وَإِدْرِيسَ قَدْ بُعِثُوا قَبْلَهُ لِشُهْرَتِهِ أَوْ لِكَثْرَةِ أُمَّتِهِ وَإِلَى فِي قَوْلِهِ (إِلَى أُمَّتِكَ؟) : لِلِانْتِهَاءِ أَيْ: مُبْتَدِئًا مِنْ نُوحٍ مُنْتَهِيًا إِلَى أُمَّتِكَ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَكَانَ الْقِيَاسُ وَأُمَّتُكَ لِتَعَيُّنِ عَطْفِ مَا بَعْدَ بَيْنَ بِالْوَاوِ فَيُقَدَّرُ مَحْذُوفٌ بَعْدَ نُوحٍ، وَقِيلَ إِلَى لِدَلَالَةِ كُلٍّ مِنْ " بَيْنَ " " وَإِلَى " عَلَى ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ، وَالتَّقْدِيرُ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ وَغَيْرِهِ مُبْتَدِئًا ذَلِكَ مِنْ أُمَّتِهِ أَوْ زَمَنِهِ إِلَى أُمَّتِكَ أَوْ زَمَنِهِمْ (قَالَ: هُمْ غُرٌّ مُحَجَّلُونَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، لَيْسَ أَحَدٌ كَذَلِكَ) وَفِي: نُسْخَةٍ كَذَاكَ (غَيْرُهُمْ) : بِالرَّفْعِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ وَبِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْغُرَّةَ وَالتَّحْجِيلَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ أُمَّتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (وَأَعْرِفُهُمْ أَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ) : وَلَعَلَّ هَذَا فِي وَقْتٍ خَاصٍّ لَهُمْ قَبْلَ إِيتَاءِ الْكُتُبِ لِلْأُمَمِ السَّالِفَةِ، أَوْ لِكُتُبِهِمْ نُورٌ زَائِدٌ عَلَى كُتُبِ غَيْرِهِمْ ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ حَجَرٍ قَالَ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِمْ إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ ذَلِكَ قَبْلَ غَيْرِهِمْ، أَوْ عَلَى صِفَةٍ لَمْ تَكُنْ لِغَيْرِهِمْ، إِذِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ وَبَقِيَّةُ الْأَحَادِيثِ الْعُمُومُ، وَأَنَّ الْفَاسِقَ يُؤْتَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ أَيْضًا، وَهُوَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ أَيْضًا، وَمَا اقْتَضَتْهُ الْآيَةُ مِنْ أَنَّ مَنْ يُؤْتَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ لَا يَصْلَى النَّارَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصْلَاهَا صُلُوَّ الْكَافِرِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى} [الليل: ١٥] الْآيَةَ. وَنَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ قَوْمٍ أَنَّ الْفَاسِقَ الَّذِي أُرِيدَ تَعْذِيبُهُ يُعْطَاهُ بِيَمِينِهِ أَوَّلًا قَبْلَ دُخُولِهِ النَّارَ، ثُمَّ خَالَفَهُ وَقَالَ: إِنَّمَا يُعْطَاهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا، وَرُدَّ بِأَنَّ الظَّاهِرَ الْأَوَّلَ، وَقَدْ أَخْرَجَ النَّقَّاشُ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا مَا يَقْتَضِيهِ اهـ. لَكِنَّ قَوْلَهُ: دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ أَيْضًا غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةَ مَسْكُوتَةٌ عَنْ حَالِ الْفَاسِقِ فِي إِعْطَاءِ الْكُتُبِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَفِي ثِقَلِ الْمِيزَانِ وَخِفَّتِهِ أَيْضًا، وَلَعَلَّهُ لَيَكُونُ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَأَعْرِفُهُمْ تَسْعَى) : بِالتَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ذُرِّيَّتُهُمْ) يَحْتَمِلُ الِاخْتِصَاصَ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ. قَالَ الطِّيبِيُّ: لَمْ يَأْتِ بِالْوَصْفَيْنِ هَذَيْنِ تَفْصِلَةً وَتَمْيِيزًا كَالْأَوَّلِ، بَلْ أَتَى بِهِمَا مَدْحًا لِأُمَّتِهِ وَابْتِهَاجًا بِمَا أُوتُوا مِنَ الْكَرَامَةِ وَالْفَضِيلَةِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ) . قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَسَنَدُهُ حَسَنٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>