(١) بَابُ الضِّيَافَةِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٤٢٤٣ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ". وَفِي رِوَايَةٍ بَدَلَ: (الْجَارِ) : وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
بِكَسْرِ أَوَّلِهِ. فَفِي الْقَامُوسِ: ضِفْتُهُ أَضِيفُهُ ضَيْفًا وَضِيَافَةً بِالْكَسْرِ نَزَلْتُ عَلَيْهِ ضَيْفًا.
وَقَالَ الرَّاغِبُ: أَصْلُ الضَّيْفِ الْمَيْلُ. يُقَالُ: ضِفْتُ إِلَى كَذَا، وَأَضَفْتُ كَذَا إِلَى كَذَا.
وَالضَّيْفُ مَنْ مَالِ إِلَيْكَ نَازِلًا بِكَ، وَصَارَتِ الضِّيَافَةُ مُتَعَارَفَةً فِي الْقُرَى، وَأَصْلُ الضَّيْفِ مَصْدَرٌ، وَلِذَلِكَ اسْتَوَى فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ فِي عَامَّةِ كَلَامِهِمْ.
٤٢٤٣ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» ) ، فِي شَرْحِ السُّنَّةِ. قَالَ تَعَالَى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الذاريات: ٢٤] قِيلَ: أَكْرَمَهُمْ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِتَعْجِيلِ قِرَاهُمْ وَالْقِيَامِ بِنَفْسِهِ عَلَيْهِمْ، وَطَلَاقَةِ الْوَجْهِ لَهُمْ، وَكَانَ سَلْمَانُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَدَعَا مَا حَضَرَ خُبْزًا وَمِلْحًا. وَقَالَ: لَوْلَا أَنْ نُهِينَا أَنْ يُكَلِّفَ بَعْضُنَا بَعْضًا لَتَكَلَّفْتُ لَكَ اهـ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَوَّقُفَ الْإِيمَانِ عَلَى هَذِهِ الْأَفْعَالِ، بَلْ هُوَ مُبَالَغَةٌ فِي الْإِتْيَانِ بِهَا، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ لِوَلَدِهِ: إِنْ كُنْتَ ابْنِي فَأَطِعْنِي تَحْرِيضًا لَهُ عَلَى الطَّاعَةِ، أَوِ الْمُرَادُ مَنْ كَانَ كَامِلَ الْإِيمَانِ فَلْيَأْتِ بِهَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ طَرَفَيِ الْمُؤْمِنِ بِهِ إِشْعَارًا بِجَمِيعِهَا. وَقِيلَ: تَخْصِيصُ الْيَوْمِ الْآخِرِ بِالذِّكْرِ دُونَ شَيْءٍ مِنْ مُكَمِّلَاتِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ ; لِأَنَّ الْخَيْرَ وَالْمَثُوبَةَ وَرَجَاءَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى الْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَمَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ لَا يَرْتَدِعُ عَنْ شَرٍّ، وَلَا يُقْدِمُ عَلَى خَيْرٍ وَتَكْرِيرُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِلِاهْتِمَامِ وَالِاعْتِنَاءِ بِكُلِّ خَصْلَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ. قَالُوا: وَإِكْرَامُ الضَّيْفِ بِطَلَاقَةِ الْوَجْهِ، وَطَيِّبِ الْكَلَامِ، وَالْإِطْعَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْأَوَّلِ بِمَقْدُورِهِ وَمُيَسَّرِهِ، وَالْبَاقِي بِمَا حَضَرَهُ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ، لِئَلَّا يَثْقُلَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَفْسِهِ وَبَعْدَ الثَّلَاثَةِ يُعَدُّ مِنَ الصَّدَقَةِ إِنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِلَّا فَلَا. قَالُوا: وَيُشْعِرُ بِأَنَّ الثَّلَاثَةَ لَيْسَتْ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، لَكِنَّهَا نُسِخَتْ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ، أَوْ جُعِلَتْ كَالْوَاجِبِ لِلْعِنَايَةِ بِهَا، وَأَرَادُوا بِمَا بَعْدَهَا التَّبَرُّعَ الْمُبَاحَ، وَالضَّيْفُ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا.
( «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ» ) : أَيْ أَقَلُّهُ هَذَا وَإِلَّا فَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: " فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ "، وَفِي رِوَايَةٍ: " فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ " أَيْ بِأَنْ يُعِينَهُ عَلَى مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَيَدْفَعَ عَنْهُ السُّوءَ وَيُخَصِّصَهُ بِالنَّيْلِ لِئَلَّا يَسْتَحِقَّ الْوَعِيدَ وَالْوَيْلَ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «أَتَدْرُونَ مَا حَقُّ الْجَارِ؟ إِنِ اسْتَعَانَكَ أَعَنْتَهُ، وَإِنِ اسْتَقْرَضَكَ أَقْرَضْتَهُ، وَإِنِ افْتَقَرَ جُدْتَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَرِضَ عُدْتَهُ، وَإِنْ مَاتَ اتَّبَعْتَ جَنَازَتَهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ هَنَّأْتَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ عَزَّيْتَهُ، وَلَا تَسْتَطِيلُ عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ فَتَحْجِزَ عَنْهُ الرِّيحَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَإِنِ اشْتَرَيْتَ فَاكِهَةً فَاهْدِ لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَأَدْخِلْهُ سِرًّا، وَلَا يَخْرُجْ بِهَا وَلَدُكَ لِيَغِيظَ بِهَا وَلَدَهُ، وَلَا تُؤْذِ بِغُبَارِ قِدْرِكَ إِلَّا أَنْ تَغْرِفَ لَهُ مِنْهَا. أَتَدْرُونَ مَا حَقُّ الْجَارِ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَبْلُغُ حَقَّ الْجَارِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ تَعَالَى» ". رَوَاهُ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَرْبَعِينَ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: مَنِ الْتَزَمَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ لَزِمَهُ إِكْرَامُ جَارِهِ وَضَيْفِهِ وَبَرِّهِمَا، وَقَدْ أَوْصَى اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْجَارِ، وَالضِّيَافَةِ مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَقَدْ أَوْجَبَهَا اللَّيْثُ لَيْلَةً وَاحِدَةً، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عُقْبَةَ: " «إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِحَقِّ الضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ» "، وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ " وَالْجَائِزَةُ: الْعَطِيَّةُ وَالْمِنْحَةُ وَالصِّلَةُ، فَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الِاخْتِيَارِ، وَقَوْلُهُ: (فَلْيُكْرِمْ) يَدُلُّ عَلَى هَذَا أَيْضًا إِذْ لَيْسَ يُسْتَعْمَلُ مِثْلُهُ فِي الْوَاجِبِ، وَتَأَوَّلُوا الْأَحَادِيثَ بِأَنَّهَا كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، أَنْ كَانَتِ الْمُوَاسَاةُ وَاجِبَةً. وَاخْتُلِفَ أَنَّهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute